للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممالك الدنيا. ولكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتّم أطفالها وأسر رجالها وبدّد أحوالها وأظهر أهوالها. فلم يدخل إليها أحد من الخوارج ولا قط ملكها ولا جرى عليها ما جرى إلا أن كان فى زمن البخت نصّر المايلى، فقد جرى عليها من ابن عثمان بعض ما جرى عليها من البخت نصّر، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلى العظيم.

وأشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وصحبته ألف جمل محمّلة ما بين ذهب وفضة، هذا خارجا عن ما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس المكفت والخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شئ أحسنه، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدا. وكذلك ما غنموه وزراؤه من الأموال الجزيلة وكذلك عسكره، فإنه غنم من النهب ما لا يحصى، وصار أقلّ ما فيهم أعظم من أمير مائة مقدم ألف، مما غنمه من مال وسلاح وخيول وغير ذلك، فما رحلوا عن الديار المصرية إلا والناس فى غاية البليّة. وفى مدة إقامة ابن عثمان بالقاهرة حصل لأهلها الضرر الشامل، وبطل منها نحو خمسين صنعة، وتعطّلت منها أصحابها، ولم تعمل فى أيامه بمصر.

فكانت مدة إقامة ابن عثمان بمصر ثمانية أشهر إلا أياما، وأما من حين قتل السلطان الغورى واستولى على حلب، فتكون مدة استيلائه على مصر والبلاد الشامية والحلبية سنة وشهرا واحدا وهو مالك من الفرات إلى الشام إلى مصر، ويخطب فيها باسمه، وكذلك السكّة على الذهب والفضة باسمه، وكذلك ما حول العراقين وقد وعده الله تعالى بذلك، وفى مدة إقامة ابن عثمان بمصر لم يجلس بقلعة الجبل على سرير الملك جلوسا عاما، ولا رآه أحد، ولا أنصف مظلوما من ظالم (١) فى محاكمته، بل كان مشغولا بلذته وسكره وإقامته فى المقياس بين الصبيان المرد، ويجعل الحكم لوزرائه بما يختارونه (٢). فكان ابن عثمان لا يظهر إلا عند سفك دماء المماليك الجراكسة، وما كان له أمان إذا أعطاه لأحد من الناس، وليس له قول ولا فعل،


(١) مظلوما من ظالم مظالما من مظلوم.
(٢) يختارونه: يختاروه.