للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السلطان طومان باى لما توجه إلى الريدانية ونصب بها الوطاق، فحصّن الوطاق بالمكاحل والمدافع، وصفّ هناك الطوارق، وصنع عليها تساتير (١) من الخشب، وحفر خندقا من الجبل الأحمر إلى غيطان المطرية، وقد تقدم القول على ذلك. ثم إن السلطان جعل خلف المكاحل نحو ألف جمل وعليها زكايب فيها عليق، وعلى أقتابها صناجق كبار بيض وحمر يخفقون (٢) فى الهواء (٣)، وجمع عدة أبقار بسبب جرّ العجل، وظن أن القتال يطول بينه وبين ابن عثمان، وأن الحصار يقيم مدة طويلة، فجاء الأمر بخلاف ذلك. فلما نزل عسكر ابن عثمان ببركة الحاج أقام بها يومين، فلم يجسر السلطان طومان باى أن يتوجّه إليهم، ولو توجّه إليهم وقاتلهم هناك قبل أن يدخلوا الريدانية لكان عين الصواب.

فلما كان يوم الخميس المقدم ذكره زحف عسكر ابن عثمان ووصل أوائله إلى الجبل الأحمر، فلما بلغ السلطان طومان باى ذلك زعق النفير فى الوطاق ونادى السلطان للعسكر بالخروج إلى قتال عسكر ابن عثمان، فركبت الأمراء المقدمون ودقّوا الطبول حربيا، وركب العسكر قاطبة حتى سدّ الفضاء، وأقبل عسكر ابن عثمان كالجراد المنتشر وهم السواد الأعظم، فتلاقى الجيشان فى أوائل الريدانية، فكان بين الفريقين وقعة مهولة يطول شرحها أعظم من الوقعة التى كانت فى مرج دابق، فقتل من العثمانية ما لا يحصى عددهم، وقتل سنان باشاه لالاء ابن عثمان وكان أكبر وزرائه، وقتل من أمرائه وعسكره جماعة كثيرة، حتى صارت الجثث مرميّة على الأرض من سبيل علان إلى تربة الأمير يشبك الدوادار. وقتل فى هذه المعركة ابن بن سوار، قتل فى الريدانية ودفن على جدّه سوار فى تربته التى تجاه تربة يشبك الدوادار، وكذلك قتل هناك سنان باشاه وزير ابن عثمان الأكبر.

ثم إن العثمانية تحايوا (٤) وجاءوا أفواجا أفواجا، ثم انقسموا فرقتين، فرقة جاءت من


(١) تساتير، يقصد بها جمع «ستارة».
(٢) يخفقون: يخفقوا.
(٣) الهواء: الهوى.
(٤) تحايوا، أى دبت فيهم الحياة.