للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن خيولهم كانت قد بطلت من الجوع، وكان غالب عسكر ابن عثمان مشاة على أقدامهم من حين خرج من الشام، وهم فى غاية التعب، فكان ربما يكسرهم قبل أن يدخلوا إلى الخانكاه ويجدوا العليق والمأكل والمشرب والراحة من التعب، فلم يتفق للسلطان أن يلاقيهم من هناك حتى تمكّنوا من الدخول إلى الخانكاه. ثم إن السلطان رسم للعسكر بأن بيات تلك الليلة قدّام الوطاق وهم على ظهور خيولهم لا بسون آلة الحرب، ولا ينامون إلا بالنوبة خوفا من هجمة تحت الليل من العثمانية، وقد اشتدّ الرعب فى قلوب الأتراك من عسكر ابن عثمان.

فلما قرب عسكر ابن عثمان من الخانكاه خرج منها غالب أهلها بأولادهم وعيالهم وقماشهم ودخلوا إلى القاهرة خوفا على أنفسهم من عسكر ابن عثمان، وكذلك غالب فلاحين (١) الشرقية وأهل بلبيس، فدخلوا القاهرة خوفا من النهب والقتل من العثمانية.

ثم إن العربان من السوالمة صاروا يقبضون على من يلوح لهم من العثمانية ويقطعون رءوسهم ويحضرونها إلى بين يدى السلطان، فيرسم السلطان بأن تعلّق على باب النصر وباب زويلة. - ثم إن السلطان عرض العسكر بالريدانية وهم لابسون آلة الحرب، حتى عرض الأمراء المقدّمين والأربعينات والعشرات، فحضرت الأمراء المقدّمون وهم بالطبول والزمور، وكان لهم يوم مشهود بالريدانية.

ثم إن السلطان سيّر إلى بركة الحاج وصحبته الأمراء والعسكر قاطبة، فسيّر بهم ثم رجع إلى الوطاق وقدّامه الطبول والزمور والنفوط، فامتدّت العساكر من الجبل الأحمر إلى غيطان المطرية حتى سدّ الفضاء. - وأشيع أن السلطان لما تحقّق وصول ابن عثمان إلى بلبيس رسم بحرق الشون التى فى بلبيس وما حولها، حتى الشون التى (٢) فى الخانكاه، فأحرقوا أشياء كثيرة من التبن والدريس وغير ذلك من القمح والشعير والفول، وذلك لأجل عسكر ابن عثمان حتى لا ينهبوها بسبب خيولهم فيتقوّى بذلك العسكر على القتال. - وفى هذه المدة صارت العربان تقطع رءوس العثمانية الذين (٣) يظفرون بهم فى الطرقات، فيرسل السلطان يعلّق تلك الرءوس على أبواب المدينة.


(١) فلاحين: كذا فى الأصل.
(٢) التى: الذى.
(٣) الذين: الذى.