للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المستمسك بالله يعقوب وأخذ منه مالا له صورة، ودخل فى جملة ديون حتى أورد ما قرّر عليه. وأما من مات تحت عقوبته بسبب المال، منهم القاضى بدر الدين بن مزهر كاتب السركان، ومنهم شمس الدين بن عوض، ومعين الدين بن شمس، وعلم الدين كاتب الخزانة، وغير ذلك جماعة كثيرة من المباشرين والعمال، ماتوا فى سجنه بسبب المال والمصادرات.

ومن أفعاله الشنيعة ما فعله مع أولاد (١) الناس من خروج أقاطيعهم ورزقهم من غير سبب، وأعطى ذلك إلى مماليكه الجلبان. ومنها قطع جوامك الأيتام من الرجال والنساء والصغار، فحصل لهم الضرر الشامل بسبب ذلك. ومنها أنه أرسل فكّ رخام قاعة ناظر الخاص يوسف التى تسمى نصف الدنيا، فوضع ذلك الرخام فى قاعة البيسرية التى بالقلعة. ومنها أنه قطع المعتدّات التى كانت تسامح بها الناس من الديوان المفرد من تقادم السنين، وجدّد أخذ الحمايات من المقطعين من قبل أن يزيد النيل وتزرع الأراضى، فكانت المقطعون (٢) تقاسى من البهدلة ما لا خير فيه. ثم تزايد شحّه حتى صار يحاسب السوّاقين الذين (٣) فى سواقى القلعة، والخولة الذين (٤) فى سواقى الميدان، بجلّة روث الأبقار وما يتحصل من ذلك فى كل يوم، وقرّر عليهم بيعها بمبلغ يردّونه للذخيرة. وكانت أرباب الوظائف من المباشرين والعمال معه فى غاية الضنك لا يغفل عنهم من المصادرات ساعة واحدة، وصادر حتى المغانى النساء من الرؤساء (٥). وكان من حين توفى الأمير خاير بك الخازندار يباشر أمر ضبط الخزانة بنفسه، ما يدخل إليها وما يخرج منها، ويعرضون عليه الأمور فى ذلك جميعه من الوصولات بما يصرف من الخزائن فى كل يوم، فكانت هذه الأموال العظيمة التى تدخل إليه يصرفها فى عمائر ليس بها نفع للمسلمين، ويزخرف الحيطان بالذهب والسقوف، وهذا عين الإسراف لبيت مال المسلمين. وكان يهرب من المحاكمات كما يهرب الصغير من الكتّاب، وما كانت له محاكمة تخرج على وجه مرض بل على أمور مستفجّة. وكان يتغافل عن


(١) أولاد: أولاده.
(٢) المقطعون: المقطعين.
(٣) الذين: الذى.
(٤) الذين: التى.
(٥) الرؤساء: الرويساء.