للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشيخ أبى السعود الذى فى كوم الجارح، فلما تكامل المجلس ذكروا للشيخ أمر سلطنة الدوادار وأنه امتنع من ذلك، فأحضر لهم الشيخ مصحفا شريفا وحلّف عليه الأمراء الذين (١) حضروا صحبة الأمير الدوادار بأنهم إذا سلطنوه لا يخونونه ولا يغدرونه ولا يخامرون عليه ويرضون بقوله وفعله، فحلفوا الجميع على ذلك، ثم إن الشيخ حلّفهم أنهم من اليوم لا يرجعون يظلمون الرعيّة ولا يجدّون مظلمة ويبطلون جميع ما أحدثه الغورى من المظالم، ويبطلون ما كان على الدكاكين من المشاهرة والمجامعة، وأن يجروا الأمور على ما كانت عليه أيام الأشرف قايتباى، ويمشوا فى الحسبة على ضريبة يشبك الجمالى لما كان محتسبا، فحلفوا على ذلك كلهم. ثم إن الشيخ قال للأمراء:

إن الله تعالى ما كسركم وذلّكم وسلّط عليكم ابن عثمان إلا بدعاء الخلق عليكم فى البرّ والبحر. فقالوا له الأمراء: تبنا إلى الله تعالى عن الظلم من اليوم. ثم انفضّ ذلك المجلس وخرجوا من عند الشيخ أبى السعود على أن يسلطنوا الأمير الدوادار، وأخذ الشيخ عليهم العهد بجميع ما حلفوا عليه بحضرته كما تقدم، وترشح أمر الدوادار إلى السلطنة، فتسلطن كما سيأتى ذكر ذلك فى موضعه.

ومن هنا نرجع إلى أخبار الأشرف الغورى فإنه خرج من القاهرة يوم السبت خامس عشر ربيع الآخر من هذه السنة، واستمر نافذ الكلمة وافر الحرمة إلى أن دخل إلى حلب وأقام بها، وأرسل إليه ابن عثمان عدة قصاد وهو تارة يظهر الصلح وتارة يأبى، والسلطان مسلوب الاختيار معه فى جميع ما يرسل يقوله له، ويخلع على قصّاده الخلع السنية وينعم عليهم بالعطايا الجزيلة، إلى أن حضر مغلباى دوادار سكين الذى كان أرسله إلى ابن عثمان، فلما رجع من عنده وهو فى غاية البهدلة كما تقدم، وكان السلطان أرسل مغلباى هذا إلى ابن عثمان وهو لابس آلة الحرب باللبس الكامل، فشقّ ذلك على ابن عثمان وبهدله، فلما حضر إلى عند السلطان وأعلمه أن ابن عثمان قد أبى من الصلح، فلما تحقق السلطان أن ابن عثمان قد وصل إليه، فنادى للعسكر بالرحيل والخروج من حلب، فخرج العسكر قاطبة وهم كالنجوم الزاهرة من آلة السلاح


(١) الذين: الذى.