للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والخيول الغايرة وكل فارس مقوّم بألف راجل من عسكر ابن عثمان، فتوجّهوا إلى مرج دابق ونزلوا به. فأقام السلطان بمرج دابق إلى يوم الأحد خامس عشرين رجب من هذه السنة.

فلما بلغه أن عسكر ابن عثمان قد وصل إلى تل الفار، ركب صبيحة يوم الأحد المذكور وهو يوم نحس مستمر، فبرز فيه إلى قتال ابن عثمان فكانت الكسرة أولا على عسكر ابن عثمان، ثم بدل الله تعالى هذا الأمر وعادت الكسرة على عسكر مصر.

فلما رأى السلطان عين الغلب من عسكره أراد أن يرجع إلى حلب، فلما ألفت فرسه ليهرب وينجو بنفسه، فاعتراه سارقة من الرجفة فأغمى عليه، فسقط من على ظهر فرسه إلى الأرض، فطلعت روحه فى تلك الساعة وهو ملقى على الأرض، فرجعت عليه عساكر ابن عثمان ففرّ من كان حوله من الغلمان والسلحدارية والمماليك وتركوا جثته على الأرض، فكان آخر العهد به ولم ير (١) له جثة ولا رأس ولا يعرف له مكان قبر فكأنما ابتلعته الأرض ولم يقف له أحد من الناس على خبر. ومن العجائب أنه لم يدفن فى مدرسته التى أصرف عليها نحو مائة ألف دينار، فصار مرميّا فى البرارى وقد تناهشته الذئاب والنمورة، فمات وله من العمر نحو ثمانى وسبعين سنة.

[ومن العجائب والغرائب أن الطواشى مختص، الذى كان بنى أساس مدرسة الغورى أوّلا وأخذها منه غصبا فى المصادرة، سأل الغورى أن يجعل له فى المدرسة مكانا يدفن فيه إذا مات فمنعه الغورى من ذلك، فمنع الله تعالى الغورى من الدفن فى مدرسته، وصار لا يعرف له مكان قبر فعدّ ذلك من العبر، انتهى] (٢).

وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما، فكانت هذه المدة على الناس كل يوم منها كألف سنة مما تعدّون.

وكانت صفته طويل القامة غليظ الجسد ذو كرش كبير، أبيض اللون، مدوّر الوجه، مشحم العينين، جهورى (٣) الصوت مستدير اللحية، ولم يظهر بلحيته الشيب إلا قليلا.


(١) ولم ير: ولم يرى.
(٢) ومن العجائب والغرائب … انتهى: كتبها المؤلف فى الأصل على الهامش.
(٣) جهورى: جهروى.