للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحرية، كل واحد بمائتى دينار، والأمراء كل واحد بألف دينار.

وكان توران شاه أهوج رهاج، عنده خفّة زائدة، فكان إذا سكر، يصفّ الشموع الكبار بالليل، ويأخذ السيف بيده، ويضرب به تلك الشموع، ويقول:

«هكذا أفعل بالمماليك البحرية إذا دخلت القاهرة»؛ وهذه أفعال المجانين الذين (١) سلبوا من عقولهم، فكان كما قيل فى المعنى، لبعضهم:

يا جامعا لخصال … قبيحة ليس تحصى

نقصت من كل فضل … فقد تكاملت فقصا

لو أنّ للجهل شخصا … لكنت للجهل شخصا

فلما بلغ مماليك أبيه ذلك، أضمروا له السوء، وتغيّرت خواطرهم عليه؛ فلما كان يوم الاثنين تاسع محرم سنة ثمان وأربعين وستمائة، جلس الملك المعظم توران شاه فى موكبه، والأمراء بين يديه، وكان أمر رءوس النوب بأن يقفوا قدّامه بعصى، وهى ملبّسة بالذهب، فى أوقات المواكب.

فلما انفضّ أمر الموكب، حضر السماط، وجلس السلطان على عادته بصدر السماط، فلما جلس، تقدّم إليه جماعة من المماليك البحرية، وبأيديهم السيوف، فضربوه على يديه، قطعوها.

فقام وهرب، ودخل إلى ذلك البرج الخشب الذى على شاطئ البحر، وأغلق عليه الباب، فأطلقوا فيه النار، فخرج من البرج وألقى نفسه فى البحر، وصار يسبح فيه، والنشاب يأخذه من كل ناحية، وهو يقول: «خدوا ملككم، ودعونى أرجع إلى حصن كيفا»؛ فلم يغثه أحد من العسكر الذى حضر معه.

فلا زال على ذلك حتى قتل وهو فى البحر، فمات حريقا غريقا قتيلا؛ ثم دفن فى بعض شطوط البحر، ولا يعلم له قبر.

قال أبو شامة: لما قتل توران شاه، رؤى أبوه الملك الصالح فى المنام، وهو يقول:

قتلوه شرّ قتلة … صار للعالم مثله


(١) الذين: الذى.