للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن السلطان صلّى العصر يوم الأربعاء وطلع إلى القلعة وكانت ليلة جامكية، فلما ركب من هناك أخلع على القاضى كاتب السرّ كاملية حافلة من ملابيسه مخمل أحمر بصمور فاخر، وتشكّر منه لما (١) تكلفه له من الأسمطة الحافلة وغير ذلك من المأكل والمشرب والتقادم الحافلة. - وفى يوم الخميس سادس عشرينه نفق السلطان الجامكية، وهى آخر الجوامك، ثم نادى للعسكر بأن يعملوا يرقهم وأن يكونوا على يقظة فإن التجريدة إلى حلب عمّالة، فلما تحققوا المماليك ذلك نزلوا من القلعة وأطلقوا فى الناس النار، وأخذوا بغال (٢) القضاة والعلماء والتجّار وهجموا عليهم الحارات والبيوت، ونزّلوا الفقهاء من على بغالهم فى وسط الأسواق وأخذوهم من تحتهم، وأخذوا بغلة الشيخ برهان الدين ابن الكركى وهو فى الحضور فى المدرسة الأشرفية فبرطل عليها بمبلغ له صورة حتى خلّصها، ثم صارت المماليك تسافر إلى نحو بلبيس والصالحية ويأخذون بغال (٢) المسافرين وأكاديشهم، حتى ضجّ منهم جميع الناس وتزايد منهم الضرر الشامل فى حقّ الناس جدّا، وصاروا يبهدلون القضاة والعلماء بالضرب وينزلونهم من على بغالهم، وفعلوا من هذا النمط أشياء كثيرة.

وفى رمضان كان مستهلّ الشهر يوم الثلاثاء، فجلس السلطان فى الميدان، وطلع الخليفة والقضاة الأربعة وهنّوا السلطان بالشهر، ثم طلع الوزير يوسف البدرى والزينى بركات بن موسى المحتسب، وطلعوا بالخبز والسكر والدقيق وهو على رؤوس الحمّالين مزفوف، وطلعوا بأغنام وأبقار كما جرت به العادة فأخلع السلطان على الوزير وناظر الدولة شرف الدين الصغير والمحتسب، وكان يوما مشهودا. - وفى يوم الأربعاء ثانى شهر رمضان قوى عزم السلطان بأن يسافر إلى ثغر الإسكندرية ورشيد بسبب تفقّد أحوال الأبراج التى هناك، وأشيع أنه شرع فى بناء سور (٣) برشيد على شاطئ البحر الملح فأرسل عدة بنائين وحجارين


(١) لما: فما.
(٢) بغال: أبغال.
(٣) سور: بصور.