للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكاد السلطان أن يسقط من على ظهر (١) الفرس حتى أدركه تمراز الشمسى رأس نوبة النوب فضرب الناس حتى فسحوا للسلطان ومشى، ثم دخلها مرّة أخرى فى جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وثمانمائة فلم يوكب بها مثل المرّة الأولى وكان سبب (٢) دخوله هذه المرّة لأجل انتهاء عمارة البرج الذى أنشأه هناك فكشف عليه لما كملت عمارته ورجع بسرعة، وسافر هذه المرّة من البحر وكان أيام النيل والأراضى مغمورة بالمياه فأقام بثغر الإسكندرية ثلاثة أيام وكذلك فى المرّة الأولى، ثم دخلها من بعد ذلك الملك الأشرف قانصوه الغورى فى سنة عشرين وتسعمائة كما تقدم القول على ذلك، انتهى. - وفى يوم الأربعاء ثانى الشهر نزل السلطان صبيحة يوم طلوعه وشقّ من الصليبة وهى مزيّنة، ثم توجّه إلى بولاق وكشف على عمارته التى هناك، ثم رجع من على باب البحر ودخل من باب القنطرة وتوجّه إلى البندقانيين وكشف على عمارته التى هناك وكان فى نفر قليل من المماليك، وأشيع عنه أنه قال للعوامّ: قوّوا الزينة ولا تفكّوها لبعد مضىّ عشرة أيام، وجعل يقول لهم ذلك بنفسه، فأعابوا عليه الناس ذلك. - وفى يوم الخميس ثالثه ثارت المماليك الجلبان على السلطان بالقلعة ورجموا الأمراء من الطباق، وقصدوا ينزلون ينهبون الزينة، فغلق عليهم السلطان أبواب القلعة وباب السلسلة وباب الميدان، فلما بلغ الناس ذلك ارتجّت القاهرة وفكّوا الزينة فى لمح البصر، ووزّعوا الناس الأمتعة فى الحواصل، وكثر القال والقيل بين الناس، وقعدت الأمراء المقدّمون فى بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، وكان الأتابكى سودون العجمى مسافرا نحو بلاده وقد سافر بعد حضوره مع السلطان، فلما جرى ذلك تنكّد السلطان لهذه الواقعة، وبلغه أن المماليك يرومون منه نفقة لكلّ واحد منهم مائة دينار حلاوة السلامة، وشرع المماليك القرانصة يوزّون (٣) المماليك الجلبان على ذلك، وكان العسكر جميعه غير راض من السلطان بسبب تعطّل اللحم، فإن العسكر قاطبة له نحو سبعة أشهر لم يصرف لهم


(١) ظهر: ظهره.
(٢) سبب: بسبب.
(٣) يوزّون، أى يحرّضون.