للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زينة فشروية، وكان ثغر الإسكندرية يومئذ فى غاية التزحّل والخراب، ومن الحوادث أنه لما شقّ من المدينة صدم الأتابكى سودون بالجلالة التى على القبة بعض السقائف التى هناك، فانكسرت تلك الجلالة نصفين وسقطت إلى الأرض.

وكذلك لما مرّت المحفّة من هناك انكسرت الرصافية التى كانت [عليها، ثم إنّ السلطان خرج من] باب البحر الملح وجلس بالمخيّم الشريف، فأرسل إليه مملوكه خدا بردى نائب الإسكندرية تقدمة حافلة ما بين ذهب عين ومماليك وقماش على حمالين وخيول وغير ذلك، ثم قدّم إليه الخواجا ابن أبى بكر تاجر السلطان تقدمة حافلة، ولم يكن بثغر الإسكندرية يومئذ أحد من أعيان التجّار لا من المسلمين ولا من الفرنج، وكانت المدينة فى غاية الخراب بسبب ظلم النائب وجور (١) القبّاض، فإنهم صاروا يأخذون من التجّار العشر عشرة أمثال، فامتنع تجّار الفرنج والمغاربة من الدخول إلى الثغر، فتلاشى أمر المدينة وآل أمرها إلى الخراب، حتى قيل طلب الخبز بها فلم يوجد ولا الأكل، ووجد بها بعض دكاكين مفتّحة والبقية خراب لم تفتح، وكانت الإسكندرية من أجلّ مدائن الدنيا حتى قيل كان بها لما فتحها عمرو بن العاص أربعة آلاف دار محكمة (٢) البناء مفروشة بالرخام الملوّن، وفى كلّ دار منها حمام تختص بها، وكان بها اثنا عشر ألف بقال يبيعون البقولات من بعد العصر إلى العشاء، وكان بها أربعون ألف يهودى ممن وجب عليه الجزية، وكان بها من الروم والقبط ستمائة ألف إنسان، وكان بها مائة ألف مركب من مراكب الروم الكبار، وشتان ما بين هذه الأخبار من هذه الأخبار التى هى بها الآن، ثم [إن] السلطان ألبس الأتابكى سودون العجمى الكاملية المخمل الأحمر التى كانت عليه، وأخلع على نائب الإسكندرية والخواجا ابن أبى بكر. - وفى ذلك اليوم تارت مماليك السلطان الخاصكية على خدا بردى نائب الإسكندرية، وقالوا له: انفق علينا لكل مملوك عشرين أشرفيا كما فعل قجماس نائب الإسكندرية لما دخل الأشرف قايتباى إلى الإسكندرية، فلم يعطهم


(١) وجور: جور.
(٢) محكمة: محمكة.