خامسه كانت وفاة شيخنا العلامة زين الدين عبد الباسط بن الغرسى خليل بن شاهين الصفوى الحنفى، وكان عالما فاضلا رئيسا حشما من ذوى البيوت، وكان من أعيان الحنفية، وكان مولده سنة أربع وأربعين وثمانمائة فكانت مدّة حياته نحو ست وسبعين سنة، وكان له اليد الطولى فى الفقه على مذهب الإمام أبى حنيفة ﵁، وكان له اليد الطولى فى علم الطب، وله عدة مصنفات نفيسة منها تاريخه الكبير المسمّى بالروض الباسم، وآخر دونه يسمّى نيل الأمل فى ذيل الدول، وآخر فى التوفيات على الحروف المعجم، وآخر فى علم الطب، وغير ذلك فى الشروحات على كتب الحنفية، وكان والده الغرسى خليل من أعيان الناس ولى الوزارة بالديار المصرية وولى عدة نيابات جليلة منها نيابة حماة وصفد والقدس الشريف ونيابة الإسكندريّة وغير ذلك من النيابات الجليلة وكان فى مقام الأمراء المقدمين، وأما الشيخ عبد الباسط ﵀ كان صفته طويل القامة نحيف الجسد، وكان يربى له ذوابة شعر فى رأسه على طريقة الصوفية، وكان له أنف وافر جدا حتى أن بعض شعراء العصر قال فيه مداعبة لطيفة وهو قوله:
أدخلت فى منخره أصبعى … وقلت: ماذا العضو سمّيه
فقال لى مستعجلا: منخرى … قلت: أنا يا سيدى فيه
وكان الشيخ عبد الباسط ضنينا بنفسه وعنده يبس طباع مع شمم زائد، وكان معظما عند الأتراك والأمراء، وكان عارفا باللغة التركية وفيه جملة محاسن، وكان بقية السلف وعمدة الخلف، وكان أصابه علّة السلّ (١) فأقام نحو سنة ونصف وهو عليل منقطع فى داره حتى مات رحمة الله عليه. - وفى يوم الخميس سابعه نزل السلطان وتوجّه إلى تربة العادل التى بالريدانية، وجلس هناك على المصطبة ونصب له سحابة، ثم جرّبوا قدامه مكاحل نحاس وحديد فكان عدّتهم نحو أربع وسبعين مكحلة فصحّ منهم شئ وتفرقع شئ، ثم إن السلطان