للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصغير كاتب المماليك، فلمّا غيب اختفى جميع أقاربه حتى غلمانه وحاشيته، فرسم السلطان للقاضى بركات بن موسى أن يكبس على داره ويفحص عن أمره، وقد اشتدّ الأمر فى طلبه جدا، وسبب ذلك أن كان عليه تقاسيط من المال على الجوامك فى كل شهر فلم يثر بذلك (١) فغيّب واختفى. - وفى يوم الاثنين ثالث عشرينه فيه حضر إلى الأبواب الشريفة قاصد ملك الفرنج البنادقة، فكان له يوم مشهود، وأوكب السلطان فى ذلك اليوم وزيّن باب الزردخاناه باللبوس والسلاح، ثم طلع القاصد وصحبته تقدمة حافلة نحو من مائة حمّال ما بين أوانى بلور وجوخ ومخمل وأثواب مخمل تماسيح وشقق وحرير أطلس وغير ذلك أشياء حافلة، فطلع القاصد وهو راكب على فرس وقدّامه سبعة أنفس من أخصّائه وهم راكبون على خيول والباقى مشاة، فكانوا نحوا من خمسين إنسانا من جماعة القاصد الذين جاؤوا صحبته، وكان القاصد رجلا شيخا بذقن بيضاء وهو جسيم وعليه وقار، وكان لابسا خلعة جرّ ذهب على حرير أصفر فطلعوا إلى القلعة وقابلوا السلطان ثم نزلوا إلى مكان عدّ لهم، وأشاعوا أن قاصد ملك الفرنج قد جاء يسعى عند السلطان فى فتح القيامة (٢) التى بالقدس الشريف، وكان السلطان أغلق بابها ومنع الفرنج من الدخول إليها بسبب ما تقدم منهم. - وفى ذلك اليوم أطلق السلطان شيخ العرب بقر بن الأمير أحمد بن بقر، وكان له مدّة طويلة وهو فى البرج بالقلعة، فأفرج عنه فى ذلك اليوم وكان له نحو من اثنتى عشرة (٣) سنة وهو فى البرج بالقلعة مقيّد، فشفع فيه أبوه الأمير أحمد بن بقر وضمنه حتى أطلقه السلطان. - وفى يوم الجمعة سابع عشرينه قلع السلطان الصوف ولبس البياض، ووافق ذلك ثامن عشر بشنس القبطى، وقد أبطأ فى قلع الصوف هذه السنة بموجب أن الوقت كان رطبا. - ومن الحوادث فى أواخر هذا الشهر أن قد سرق من سوق الباسطية ثلاثة دكاكين، وكذلك من الصاغة، فراح على التجّار


(١) فلم يثر بذلك: كذا فى الأصل، ويعنى لم يقم بذلك.
(٢) القيامة: القمامة.
(٣) اثنتى عشرة: اثناء عشر.