المقياس. - وفيه نزل السلطان وتوجّه إلى نحو قناطر الأوز وكشف على الحفر الذى حفره أنسباى حاجب الحجّاب، وشقّ من بطن الخليج فلم يعجبه القطع فأمر بإعادته ثانيا ففعلوا ذلك. - فكان كما قيل فى المعنى:
مولاى إن النيل لما زرته … حيّاك وهو أبو الوفا بالأصبع
أرخى عليه الستر لما جئته … خجلا ومدّ تضرّعا بالأذرع
وكان النيل قد توقّف عن الوفاء على أصبع واحد فأوفى تلك الليلة وزاد عن الوفاء أصبعين، وكان مع السلطان لما نزل إلى المقياس الأتابكى سودون العجمى والأمير أركماس أمير مجلس والأمير طومان باى الدوادار الكبير، وغير ذلك من الأمراء المقدمين والعشرات، فلما وفّى النيل علّقوا الستر فى شبّاك القصر الذى أنشأه السلطان على بسطة المقياس، ثم رسم السلطان للأتابكى سودون العجمى بأن يتوجّه ويفتح السدّ على العادة، فنزل فى الحراقة وأتى للمقياس وخلّق العمود ثم توجّه إلى فتح السدّ، وكان له يوم مشهود، وهذا أول فتحه للسد وهو فى الأتابكية فأظهر فى ذلك اليوم أنواع العظمة ولكن لم يصل فى ذلك إلى من تقدّمه من الأتابكيّة، فلما فتح السد قدّموا له فرسا بسرج ذهب وكنبوش، ثم طلع إلى القلعة وأخلع عليه السلطان خلعة حافلة على العادة، وقد سرّ الناس بوفاء النيل قاطبة بعد ما كان قد تسلسل فى الانكسار وتشحّطت الغلال فجاء الفرج من عند الله تعالى، فكان كما قيل فى المعنى:
إنّ بحر النيل قد وفّى لنا … ما عليه من قديم قرّرا
وقضانا الدّين إلاّ أنه … حين وفّى ما عليه انكسرا
ومما وقع فى يوم فتح السدّ من الوقائع المهولة أن الناصرى محمد بن العلاى على بن خاص بيك توجه إلى دار عند قنطرة سنقر ليتفرج هناك على قتال الزعر، فلما قعد فى تلك الدار اجتمع فوق سطحها نحو من مائتى إنسان بسبب الفرجة، فهجم عليهم طائفة من المماليك وطلعوا فوق السطح فوقع بهم على من