للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن ذلك السعى أغناه، فولى خليل بوجه طويل، ونزل من القلعة وقد اشتعل قلبه بنار الخليل، فكان كما يقال فى المعنى:

ألا قل لمن كان لى حاسدا … أتدرى على من أسأت الأدب

أسأت على الله فى فعله … لأنك لم ترض لى ما وهب

فجازاك عنه بأن زادنى … وسد عليك وجوه الطلب

ثم إن المجلس انفضّ وقام الخليفة المتوكّل على الله وقد تلقّب بلقب جدّه عبد العزيز، ونزل من القلعة فى موكب حافل وصحبته القضاة الأربعة وأعيان الناس وزيّنوا له حارته وأوقدوا له الشموع بالصليبة، وكان له يوم مشهود، وولى الخلافة وهو شاب وكان مولده سنة سبعين وثمانمائة، ولم يتفق لأحد من خلفاء مصر بأنه ولى الخلافة ووالده فى قيد الحياة مقيما معه فى بيت واحد سواه. - وكانت مدة خلافة أمير المؤمنين المستمسك بالله يعقوب اثنتى عشرة سنة إلا ثلاثة أشهر، فإنه ولى الخلافة يوم السبت ثالث صفر سنة ثلاث وتسعمائة فى دولة الناصر محمد بن قايتباى، وخلع نفسه من الخلافة رابع شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة، وقيل أنه تكلّف فى هذه الحركة إلى اثنى عشر ألف دينار، ولولا فعل ذلك كان نفى إلى دمياط أو إلى القدس، فكان ما فعله عين الصواب كما يقال:

يعوّض الله مالا [أنت متلفه … وما عن النفس إن أتلفتها] (١) عوض

وهذا ما كان من ملخّص أخبار الخليفة يعقوب وولاية ولده الناصرى محمد. - وفى يوم الجمعة ثامنه نزل السلطان إلى الميدان ورسم بجمع الحرافيش فاجتمع هناك السواد الأعظم من رجال ونساء، ففرق على كل واحد منهم نصفين فضّة، فقيل أنه فرّق فى ذلك اليوم نحوا من أربعمائة دينار. - وفيه نزل السلطان من الدهيشة وتمشى ودخل إلى الزردخاناه وعرض الأسلحة التى كانت فى الزردخاناه من قديم الزمان، فرأى أشياء كثيرة منها تلفت من الصدأ (٢)،


(١) أنت … أتلفتها: جاءت فى الأصل بعد «الناصرى محمد» فى سطر ١٩
(٢) الصدأ: الصدى.