للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأزبكية ونقل ذلك إلى الأماكن التى أنشأها بالميدان، وصارت هذه البحرة تمتلئ كل يوم بماء النيل وفائضها يسقى البستان، فجاءت كما يقال فى المعنى:

تهنّأ (١) بها يا أيّها البحر بحرة … حكتك فما تنفكّ باسطة يدا

لها فى هبوب الريح تجعيد مبرد … فمن أجل ذا تجلو عن المهج الصدا (٢)

وقال آخر:

عجبت منها بحرة بيّضت … بخافقىّ كسنا البارق

كيف غدا الماء بها ساكنا … يرهو وقلب الماء فى خافق

وفى رجب حضر يحيى بن سبع الذى كان أمير الينبع وجرى منه فى حقّ الحجّاج ما تقدّم ذكره، فأرسل إليه السلطان منديل الأمان فحضر وقابل وكان قد أظهر العصيان مدّة طويلة، فطلع وعلى رأسه منديل الأمان فأخلع عليه السلطان، فلما نزل من القلعة كادت العوامّ أن ترجمه وسبّوه سبّا فاحشا ولولا كان صحبة الأمير الدوادار لرجموه لا محالة، فلما بلغ السلطان ذلك نادى فى القاهرة بأن لا أحد من الناس لا يتعرّض لابن سبع ولا يسبّه ومن فعل ذلك شنق من غير معاودة، فتكلّم الناس فى حقّ السلطان بأنه أخذ من ابن سبع مالا له صورة وضيّع حقوق الحجّاج فيما فعل بهم. - وفى يوم الجمعة الموافق لثامن هاتور القبطى قلع السلطان البياض ولبس الصوف، وكان أشيع بين الناس أن السلطان ينزل إلى المطعم ويلبس الأمراء الصوف هناك ويوكب ويشقّ القاهرة، فلم يتمّ ذلك وبطل هذا الأمر فلبس الصوف يوم الجمعة وخرج إلى الجامع.

وفى هذه السنة كبّرت الأمراء تخافيفهم وطوّلوا قرونهم حتى خرجوا فى ذلك عن الحدّ، وقد قال القائل فى المعنى:

قد لبس الصوف كل كبش … قرونه يا لها قرون

فرحت من ذاك مستريحا … لا صوف عندى ولا قرون


(١) تهنأ: تهن.
(٢) الصدا: الصيدا.