للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنا أثبت فى جهته أربعمائة ألف دينار أخذها من الخزانة أيام الملك الناصر محمد بن قايتباى، فمال السلطان إلى هذا الكلام ورسم على صلاح الدين بن الجيعان وعلى علم الدين كاتب الخزانة وبانوب النصرانى وقرّر عليهم مائة ألف دينار، ثم قبض على تاج الدين بن كاتب الدواليب وقرّر عليه عشرة آلاف دينار، واستمرّوا على ذلك وهم فى الترسيم حتى يكون من أمرهم ما يكون. - وفيه ثبت النيل المبارك على تسعة عشر ذراعا وثبت إلى العشرين من بابّه ثم انهبط، وكان نيلا عظيما قوىّ العزم مباركا وحصل به غاية النفع، فكان كما يقال فى المعنى لبعضهم:

كأنّ النيل ذو فهم ولبّ … لما يبدو لعين الناس منه

فيأتى عند حاجتهم إليه … ويمضى حين يستغنون عنه

وفى النيل يقول محمد بن قانصوه:

اضمر على النيل فانظر ما تسرّ به … إذا ضمرت فما فى الفال إشكال

لفالك الماء رمل والنسيم به … مبدى ضميرك والتجعيد أشكال

ومن الحوادث أن فى هذا الشهر وقع غالب البيوت التى بالروضة من قوة عزم الماء، وقد هرى (١) البحر الجانب الغربى فرمى البيوت المحكمة البناء وهذا قطّ ما اتفق سوى فى هذه السنة. - وفيه كان انتهاء العمل من المجراة التى أنشأها السلطان كما تقدّم، فدارت هناك الدواليب وجرى الماء فى المجراة حتى وصل إلى الميدان الذى تحت القلعة، ثم إن السلطان صنع هناك سواقى نقّالة، وبنى ثلاثة صهاريج تمتلئ (٢) من ماء النيل برسم المماليك الذين يلعبون الرمح فى الميدان، وشرع فى بناء بحرة فى وسط ذلك البستان الذى أنشأه بالميدان فكان طول تلك البحرة نحوا من أربعين ذراعا وقيل أكثر من ذلك، وبنى هناك عدّة مقاعد ومناظر مطلاّت على ذلك البستان، وفكّ رخام قاعات الأتابكى أزبك التى أنشأها


(١) هرى: هوى.
(٢) تمتلئ: يمتلئوا.