يفنى البخيل بجمع المال مدّته … وللحوادث والأيام ما يدع
كدودة القزّ ما تبنيه تهدمه … وغيرها بالذى تبنيه ينتفع
وكان غير مشكور السيرة رثّ الهيئة بجاقى النفس يزدريه كل من يراه، وقد قال فيه بعض شعراء العصر مداعبة لطيفة، وهو قوله:
قاض إذا انفصل الخصمان ردّهما … إلى جدال بحكم غير منفصل
يبدى الزهادة فى الدنيا وزخرفها … جهرا ويقبل سرّا بعرة الجمل
وقال آخر وقد أفحش فى حقّه جدّا، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله وأنا استغفر الله تعالى من ذلك:
يا أيها الناس قفوا واسمعوا … صفات قاضينا التى تطرب
يلوط يزنى ينتشى يرتشى … ينمّ يقضى بالهوى يكذب
وفى هذا الشهر كثر الحريق بالقاهرة وصار فى كل ليلة يحترق عدّة أماكن بسبب الدريس الذى يكون ببيوت الأتراك، وكانت المماليك أكثرت من خزن الدريس فى هذه السنة، وصارت المماليك يمسكون الناس من الطرقات غصبا ويحبسونهم عندهم أياما بسبب نقل الدريس، وتعطّلت أحوال الناس بسبب ذلك حتى صنّفوا العوامّ رقصة وهم يقولون:
اهرب يا تعيس وإلاّ يحمّلوك الدريس
وفى ذى الحجّة فى يوم الخميس سابعه خرج سيباى الذى قرّر فى نيابة الشام، فكان له يوم مشهود. - وفيه فى ثامنه حضر المقرّ السيفى أركماس الذى كان نائب الشام وانفصل عنها، فلما حضر وقابل السلطان أكرمه وأخلع عليه ورسم له بأن ينزل فى الأزبكية ويسكن فى بيت الأتابكى أزبك. - وفيه بلغ السلطان بأن طائفة من المماليك الذين توجّهوا إلى الكرك صحبة التجريدة قد دخل منهم جماعة فى الخفية إلى القاهرة من غير إذن السلطان، فصار يكبس عليهم وحصل لهم الضرر الشامل من السلطان ونادى لهم بأن يعودوا إلى الكرك