للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيت الرجبى أمير ركب المحمل، وعيّن أنص باى أحد المقدّمين بالركب الأوّل، وعين صحبتهم نحوا من ستمائة مملوك من المماليك السلطانيّة، ثم بعد أيام نفق على المماليك المعيّنة إلى مكة لكلّ مملوك مائة دينار وأخذوا فى أسباب عمل يرقهم إلى السفر، ثم [إن] السلطان رسم لأقباى كاشف الشرقية بأن يرمى على بلاد المقطعين جمالا بسبب التجريدة المعيّنة إلى مكة، فشرع يرمى على كلّ بلد جملين أو ثمن ذلك خمسين دينارا فأضرّ ذلك بحال المقطعين، وقطع هذا القدر من خراجهم وخربت عدّة بلاد بسبب ذلك.

وفى رمضان عرض السلطان المحابيس من الرجال والنساء وأطلق منهم جماعة وأبقى أصحاب الجرائم على حالهم. - وفى يوم السبت سابع عشرين رمضان عرض السلطان كسوة الكعبة الشريفة والمحمل وخلع العيد، وكان يوما مشهودا. - وفى سلخ هذا الشهر تغيّر خاطر السلطان على العلاى علىّ بن أبى الجود ووكّل به بطبقة الخازندار، ثم قبض على حاشيته وغلمانه وختم على حواصله وبيوته ورسم على نسائه وأحاط به البلاء من كلّ جانب، وكان هذا آخر سعده وأوّل عكسه، فكان كما يقال:

إذا كنت فى نعمة فارعها … فإن المعاصى (١) تزيل النعم

وإذا تمّ أمره بدا نقصه … توقّ زوالا إذا قيل تم

واستمرّ علىّ بن أبى الجود فى التوكل به مدّة أيّام حتى كان من أمره ما سنذكره فى موضعه.

وفى شوّال أشيع أمر الركوب على السلطان ووزّعوا الناس قماشهم فى الحواصل، فلما بلغ السلطان ذلك أحضر المصحف العثمانى وحلف عليه سائر الأمراء بحضرة قاضى القضاة المالكى برهان الدين الدميرى، فلما حلفوا حلف هو لهم أيضا أنه لا يمسك منهم أحدا بغير ذنب، وحلف بعد ذلك المماليك الذين فى الطباق طبقة بعد طبقة على المصحف العثمانى، فسكن الأمر قليلا


(١) المعاصى: المعاصى المظالم.