للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان الشخص الواحد من بنى إبراهيم إذا غرس رمحه على باب بيت من بيوت مكة أو سرحة فيملك جميع ما فيها من قماش أو بضائع (١) أو بهار ويخرج صاحب البيت بمفرده لا مال ولا قماش وربما يقتلونه. ثمّ إن الجازانى هجم على تانى بك الجمالى الذى كان أتابك العسكر بمصر ونفى إلى مكة فلما هجم عليه طلب منه مالا فاعتذر عن ذلك فربط محاشمه بوتر واستمرّ يعاقبه إلى أن مات وأخذ ماله، وهجم على الناصرى محمد بن جانم نائب الشام فأخذ ما فى داره من أثاث وقماش وغير ذلك فمات الناصرى محمد بن جانم من الرجفة عقيب ذلك هو وأمّه خوند الجركسية زوجة الظاهر جقمق، وهجم على الشهابى أحمد ابن العينى وكان مجاورا بمكة فنهب جميع ما فى داره وهرب ابن العينى هو وعياله إلى نحو المدينة الشريفة، وهجم على دولات باى السيفى قنبك باش المجاورين ونهب جميع ما فى داره، وقتل جماعة كثيرة من المجاورين ومن أهل مكة نحوا من سبعمائة إنسان حتى هرب غالب أهل مكة وحضر إلى القاهرة من البحر الملح والذى تخلّف بمكة اشتروا أنفسهم منه بمال جزيل، وكانت واقعة الجازانى من أبشع الوقائع وأنحسها، وقد قلت فى المعنى:

تقول مكة (٢) واحرباه … مما جرى من جازانى

سيأخذوا ربى وأقول … هذا جزاء من جازانى

وقد كادت مكة أن تخرب فى هذه الواقعة عن آخرها، وتقرب واقعة الجازانى من واقعة أبى ظاهر القرمطى وما فعله بمكة من النهب وقتل الناس، وكان ذلك فى زمن الخليفة المقتدر بالله خليفة بغداد سنة ثمان عشرة وثلثمائة، وقد انقطع الحج من بغداد وغيرها من البلاد نحوا من تسع عشرة سنة لم يحجّ فيها أحد إلى مكة وانقطع بسبب ذلك هذه المدة، وكانت هذه الواقعة من أعظم المصائب الكبار وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا فى الجزء الثانى من تاريخ الخلفاء انتهى ذلك. - فلما بلغ [السلطان] هذه الأخبار اضطربت أحواله إلى الغاية وعين الأتابكى


(١) بضائع: بضاع.
(٢) مكة: مكا.