للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى جمادى الأولى فى يوم مستهلّه أخلع السلطان على علىّ بن أبى الجود وقرّره فى نظر الأوقاف عوضا عن محمد بن يوسف، فتزايدت عظمة على بن أبى الجود ولبس الطوق وركب الخيول بالأخفاف والمهاميز وصار يعدّ من جملة رؤساء مصر، فاجتمع فيه وكالة بيت المال ونظر الأوقاف وبرددارية السلطان وتكلّم فى ديوان الوزارة والأستاداريّة وديوان الخاصّ وغير ذلك من الوظائف، فاجتمعت فيه الكلمة وتصرّف فى أمر المملكة بما يختار وقمع سائر المباشرين وصاروا فى خدمته الناس قاطبة ولا يحتمى عليه أحد من التجّار ولا المباشرين، فأظهر الظلم الفاحش بالديار المصريّة حتى فاق على هناد الذى أحدث المظالم، فكان الناس على رؤسهم طيرة منه ودخل فى قلوبهم الرعب الشديد بسببه، فكان العبد يرافع سيّده ويشكوه من باب على بن أبى الجود فينتصف العبد على سيّده، وكذلك الامرأة إذا تخاصمت مع زوجها تشكوه من باب على بن أبى الجود، وكان من له عدوّ يشكوه من بابه ويكذب عليه ويقول هذا لقى مال فيسلب نعمة ذلك الرجل ويأخذ منه ما لا يقدر عليه، فأطلق فى الناس النار وصار على بابه نحوا من مائة رسول، فكانت أرباب الصنائع تترك أشغالها ويعملون رسلا على باب ابن أبى الجود وصار غالب الناس لا يشكون خصمائهم (١) إلا من باب على بن أبى الجود حتى صار بابه أعظم من أبواب أرباب الوظائف من الأمراء المقدمين، وكان هذا أكبر أسباب الفساد فى حق على بن أبى الجود كما سيأتى الكلام على ذلك فى موضعه. - وفى هذه الأيام تزايد ظلم على بن أبى الجود حتى شاع ذكره فى بلاد ابن عثمان ملك الروم وفى بلاد الشرق من ديار بكر وغير ذلك من البلاد بسبب مصادرات تجّار الأروام وجوره عليهم، وكان السلطان قرّر على علىّ بن أبى الجود فى كل شهر اثنى عشر ألف دينار يردها على الجوامك ليس تحتها جهة من الجهات وإنما


(١) خصمائهم: يعنى خصومهم.