للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبقيّة الأمراء فما قدر على ذلك وانكشف رخه وافتضح، وكانت هذه غاية الخفّة من مصر باى، فلما جرى ذلك اضطربت الأحوال تلك الليلة ولبس العسكر آلة السلاح وباتوا على وجل، فوقف مصر باى بالرملة ساعة فلم يحضر عنده أحد من العسكر، فنزل من الرملة بغير طائل، ثم رجع الأمير أزدمر إلى القلعة وبات بها عند السلطان تلك الليلة ونزل الأتابكى قيت إلى داره، وقد أشيع أن السلطان كان مع مصر باى فى الباطن ولم يكن لهذا الكلام صحة، فلما رجع مصر باى من الرملة دار على الأمراء تحت الليل فلم يطاوعه أحد على الركوب معه، فعند ذلك توجه إلى الأزبكية وبات (١) بها وانتظر أحدا يأتيه من المماليك السلطانية فلم يجئ أحد له، فلما طلع النهار اجتمع عنده بالأزبكية نحو من عشرين مملوكا أو دون ذلك، فلما بلغ السلطان ذلك أرسل إليه طائفة من المماليك صحبة الأمير علان والى القاهرة فحاربوه هناك، فلم يكن إلا ساعة يسيرة وقد كسر الأمير مصر باى وقتل بالأزبكية أشر قتلة، فحمله بعض المماليك قدامه على الفرس وهو ميّت وطلع به إلى القلعة، فلما عاينه السلطان أمر بدفنه فغسل وكفن وصلى عليه ودفن، وكانت واقعته من أبشع الوقائع وأنحسها، وقد خطر بباله أنه يقتل الأمراء ويملك القلعة بهذه الطائفة اليسيرة التى معه من المماليك وهى دون عشرين مملوكا، وكان هذا غاية الخفّة منه مع أنه كان من ذوى العقول وعنده ثبات جنان، وكان ديّنا خيرا وأصله من مماليك الأشرف قايتباى وساعدته الأقدار حتى ولى الدوادارية الكبرى بمصر فى دولة الغورى، ثم قبض عليه وسجن بثغر الإسكندرية، ثم تسحّب من البرج التى كان به مسجونا وجرى بسببه على الناس ما لا خير فيه من كبس بيوت وحارات وغير ذلك، ثم ظهر بعد ذلك بالرملة كما تقدم فلم يطب طبة، وكانت الأمراء على رؤسهم طيرة منه، فلما توجّه إلى الأزبكية وبات بها وأصبح فجمع صغار باب اللوق ودق له


(١) وبات: وباب.