قصروه، كما سيأتى الكلام على ذلك فى موضعه، فكان كما يقال فى المعنى:
إذا رأيت ثنايا الليث كاشرة … فلا تظنّ بأن الليث بسّام (١)
ثم ضربت له البشائر بالقلعة، ونودى باسمه فى القاهرة، وارتفعت الأصوات له بالدعاء، وكان محبّبا للناس ولا سيما العوام، فزيّنت له القاهرة سبعة أيام متوالية، وخرج الناس فى القصف والفرجة عن الحدّ، حتى عدّ ذلك من النوادر الغريبة؛ وصار كل أحد فى الفرح بسلطنته، وانفرجت تلك الفتنة عن الناس عن قريب، وكان يظن كل أحد بأن أمر الفتنة يطول ويتسع، فآل الأمر إلى خير بخمود الفتنة عن قريب، فكان كما يقال:
ملك نداه المبتدا … للناس والمدح الخبر
أمضى لسان سيفه … حكم القضاء والقدر
فلما تمّ أمره فى السلطنة، فكان أول شئ صدر منه من الأفعال الشنيعة، أنه قبض على خوند أصل باى، أم الناصر، وزوجة الأشرف جان بلاط، وأخت الظاهر قانصوه، فوكل بها عشرة من الخدّام، وقرّر عليها نحوا من خمسين ألف دينار، وقيل عشرين ألف دينار، فباعت أشياء كثيرة من قماشها، وأخذت فى أسباب وزن ما قرّر عليها من المال.
ثم إنه عزل برهان الدين بن الكركى عن قضاء الحنفية، وقرّر بها الشيخ سرى الدين عبد البرّ بن الشحنة، وهذه أول ولايته لقضاء الحنفية. - وفيه قرّر قرقماس المقرى فى الحسبة، فلما قرّر بها قبض على محمد الباسطى، الذى كان متكلما فى الحسبة فى دولة الناصر محمد بن قايتباى، فلما قبض عليه ضربه بالمقارع فى يوم شديد البرد، وأشهره فى القاهرة على جمل، فما طاق ذلك ومات عن قريب، وكان من الظلمة الكبار.
وفيه أخلع على أسنباى الأصم وقرّر فى الحجوبية الثانية، وقرّر نوروز أخو يشبك الدوادار فى الرأس نوبة الثانية، وقرّر طومان باى الأشرفى قايتباى فى الأمير آخورية