للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الأمير طومان باى باغى على الأشرف جانبلاط، فكان كما يقال فى الأمثال:

والغدر بالعهد قبيح جدّا … شرّ الورى من ليس يرعى عهدا

فلما خرج كان صحبته من الأمراء المقدّمين الأمير قانى باى قرا الرماح [١] أمير آخور كبير، والأمير قانصوه الغورى رأس نوبة النوب، والأمير أزدمر من على باى أحد المقدّمين والأمير أنص باى أحد المقدمين، فكانوا بمن تقدّمهم من الأمراء المقدّمين أحد عشر أميرا، ومن الأمراء الطبلخانات والعشرات نحو من عشرين أميرا، ومن المماليك السلطانية زيادة على ألفى مملوك [٢]، فكانت هذه التجريدة المعينة إلى قصروه نائب الشام تعادل تجاريد ابن عثمان، وقد تقدّم ذكر ذلك فى أخبار الأشرف قايتباى.

فلما شقّ الأمير طومان باى من القاهرة كان له يوم مشهود، وارتفعت الأصوات له بالدعاء، وكان محبّبا للناس ولا سيما العوام، فلهج الناس بأنه سيعود سلطانا وكان الأمر كذلك، فاستمرّ فى ذلك الموكب حتى نزل بالريدانية فى الوطاق، فأقام به أياما ورحل؛ وقيل إن السلطان نزل إليه هناك فى الخفية تحت الليل، وجلس عنده وتحدثا فى ما يكون من أمر قصروه، فأنعم عليه السلطان بأشياء كثيرة من مال وقماش وتحف، حتى أحجار حيوانية لمنع السموم القاتلة، ثم ودّعه وطلع إلى القلعة، وكان يظنّ أن الأمير طومان باى ناصح له، وكان الأمر بخلاف ذلك.

ومن الحوادث فى هذا الشهر أن السلطان تغيّر خاطره على القاضى كاتب السرّ بدر الدين بن مزهر، فقبض عليه وعلى حاشيته، وسجنه بالعرقانة، وضربه ضربا مبرحا غير ما مرة، وسبب ذلك أن السلطان لما صادر الناس كما تقدّم ندب القاضى بدر الدين إلى ذلك، فأظهر من العسف والظلم والتشويش على الناس ما يطول شرحه، وأظهر النتيجة فى ذلك للأشرف جان بلاط فإنه كان صهره، فكثر الدعاء عليه وأخذه الله من الجانب الذى يأمن إليه، كما يقال:

فكان كالمتمنّى أن يرى فلقا … من الصباح فلما أن رآه عمى

ثم إنه قرّر عليه مالا وأقام فى العرقانة حتى يردّ ما تقرّر عليه من المال، وكان


(٣) الرماح: نقلا عن ف، وتنقص فى الأصل.
(٧) ألفى مملوك: ألفين مملوكا.