فلما كان يوم الخميس سابع عشرين هذا الشهر لبس العسكر لامة الحرب، وركب الأتابكى جان بلاط، والأمير طومان باى، وبقية الأمراء، من الأزبكية، وتوجّهوا إلى بيت الظاهر تمربغا الذى عند سوق السلاح بالقبو، فعند ذلك ركبوا وحاصروا الظاهر قانصوه وهو بالقلعة، ولم يكن عنده من الأمراء سوى جان بلاط الأبح نائب القلعة، وبعض أمراء العشرات، ومن الجند نحو ألف إنسان، فاستمرّ الحرب ثائرا بين الفريقين، وأقام تحاربهم ثلاثة أيام على قلّة من عنده من العسكر بالقلعة، وكان الظاهر قانصوه حصّن القلعة، وسدّ باب الاسطبل الذى من جهة باب القرافة.
فلما كان يوم الجمعة بعد العصر ملك الأمير طومان باى مدرسة السلطان حسن، وركّب هناك مكحلة، وصار يرمى على من بباب السلسلة. - فلما كان يوم السبت تاسع عشرينه انكسر الظاهر قانصوه، وتشتّت من كان عنده بالقلعة، فلما رأى عين الغلب دخل الحريم، وتزايا بزىّ النساء، وكشف عن رأسه وتزيّر وتنقّب، ونزل من القلعة وتوجّه [نحو](١) الترب، واختفى خبره، فكان كما يقال:
وقائلة [لى](١) دهتك الهموم … وأمرك ممتثل فى الأمم
فقلت ذريتى على غصّتى … فإن الهموم بقدر الهمم
فلما انكسر الظاهر قانصوه لم يجسر الأمير طومان باى يتسلطن، وكان قدّامه الأتابكى جان بلاط، فاستمرّت القاهرة بلا سلطان من يوم السبت إلى يوم الأحد، وقد أشيع وجود قانصوه خمسمائة الذى تسلطن، فنودى فى القاهرة: إن كان قانصوه خمسمائة موجودا فليظهر وله الأمان، فلم يكن لهذه الإشاعة صحة، فعند ذلك وقع الخلف بين الأمراء فى من يلى السلطنة، فذكر تانى بك الجمالى، فلم يرض به العسكر، ثم ذكر الأتابكى جان بلاط فلم يرض به العسكر، فتعصّب له الأمير طومان باى حتى تسلطن، كما سيأتى الكلام على ذلك فى موضعه.
فكانت مدة الظاهر قانصوه سنة وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما، وكان ملكا