للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى رمضان عرض السلطان المحابيس من الرجال والنساء الذين (١) بالحجرة، وعمل مصالح أرباب الديون وصالح عنهم أصحاب الحقوق، ووزن عن جماعة من ماله، وأطلق فى ذلك اليوم نحوا من مائتى إنسان، وضاع على غالب الناس حقوقها ممن كان له دين على من أطلقه من المحابيس، فكان كما يقال فى المعنى:

رام نفعا فضرّ من غير قصد … ومن البرّ ما يكون عقوقا

وفى يوم الاثنين رابع عشره عيّن السلطان تجريدة إلى الكرك بسبب عربان بنى لام، وقد تقدّم ما وقع منهم فى حقّ الحجاج، وكان باش العسكر سيباى نائب سيس أحد المقدّمين، وجماعة من الجند، فخرجوا فى أثناء ذلك مسرعين. - وفيه جاءت الأخبار من دمشق بأن قصروه نائب الشام خرج عن الطاعة، وأظهر العصيان جملة واحدة، وحضر قانصوه بن سلطان جركس، المعروف بابن اللوقا، حاجب دمشق، وأخبر أن قصروه نائب الشام أصرفه عن الحجوبية وقصد القبض عليه ففرّ منه، وأخبر بأن قصروه استولى على قلعة الشام وعلى ما فيها من المال.

فلما تحقّق السلطان ذلك تنكّد إلى الغاية، واضطربت أحواله، وأظهر أنه يخرج إلى الشام بنفسه وشرع فى أسباب ذلك، ثم نزل إلى الميدان وأعرض ما عنده من الهجن، وأمر صلاح الدين بن الجيعان بأن يحضر قوائم مصروف الأشرف برسباى عند توجّهه إلى آمد، وكل هذا هيت وتحبيس (٢) على الأمراء والعسكر؛ ثم إنه عيّن قنبك أحد الدوادارية، بأن يتوجّه إلى الشام لكشف الأخبار عن حقيقة ذلك. - وفى أواخر هذا الشهر فطر السلطان ليلة بالإيوان الكبير، الذى بالقرب من القصر، واجتمع عنده الأمراء وضربوا مشورة فى أمر قصروه، فعدّ فطوره فى الإيوان من النوادر.

وفى شوال صادف أن فى يوم عيد الفطر قلع السلطان الصوف فى ذلك اليوم ولبس البياض، فخرج إلى صلاة العيد وهو راكب على فرس بوز قرطاسى بسرج فضة بيضاء بغير طلاء، وعباه حرير أبيض، وخفّ أبيض، ومهاميز كفت فضة بيضاء،


(١) الذين: التى.
(٢) هيت وتحييس: كذا فى الأصل، وكذلك فى ف.