تانى بك قرا، وكان مقيما بالقدس كما تقدم ذكر ذلك، وكان من عصبة آقبردى الدوادار وفرّ معه، فلما استقرّ بالقدس توجّهت إليه المراسيم الشريفة بخنقه، فخنق وهو بين أولاده وعياله، وكانوا توجّهوا إليه، وكانت قتلته فى يوم الأحد ثامن عشرين رجب ودفن بالقدس، فلما جاءت الأخبار بموته تأسّف عليه الكثير من الناس، وكان أميرا جليلا رئيسا حشما، ليّن الجانب، قليل الأذى، كثير الخير.
ومن آثاره وهو السبيل والصهريج الذى أنشأه برأس سويقة عبد المنعم تجاه الرملة، وأصرف على ذلك من ماله مالا له صورة، فلما كمل بناء ذلك فقدّم هذا السبيل والصهريج إلى الأشرف قايتباى، فصار ذلك يعرف بسبيل السلطان؛ ومن آثاره المسجد اللطيف، الذى أنشأه بجوار بيته عند خوخة القردمى.
وكان أصله من مماليك الأشرف أينال، ورقى فى دولة الأشرف قايتباى، وولى عدّة وظائف سنية، منها: تاجر المماليك، والدوادارية الثانية، ثم بقى مقدم ألف، ثم بقى حاجب الحجاب، ثم بقى رأس نوبة النوب، ثم بقى أمير مجلس، ووقع له من الشدائد والمحن ما يطول شرحه، وفاته القتل عدّة مرار، وكان ينسب إلى صحابة آقبردى الدوادار، وفرّ معه إلى البيرة، وعدّى الفراة، وكان موصوفا بالفروسية والشجاعة، ومات وهو فى عشر الستين وزيادة، ولما مات رثيته بهذه الأبيات:
من طالع التاريخ يوما أو قرأ … ما يروى صرف الدهر عن تنبك قرا
شاع الحديث بخنقه فلأجل ذا … خنقت بعبرتها الورا مستعبرا
قد خانه ريب الزمان بفعله … والدهر إن أصفا يعود مكدّرا
قد كنت أحذر من وقوع حمامه … والآن دمعى كالدماء وقد جرى
لهفى عليه من أمير صارم … فى يوم حرب للعداء مدمّرا
لم يقتلوه فوق ظهر جواده … لكن قاتله تعدّى وافترى
يا لهف قلبى قد تجرّع فقده … وتجدّدت أحزانه بين الورى