كفى كل أحد شرّه، وقد قلت ذلك مع التضمين والاقتباس:
مات آقبردى الأمير وولّى … بعد عزّ وحاز جاها ومالا
فأتاه من بعد ذا ريب دهر … نال منه من العنا ما أنالا
وقضى نحبه بغير قتال … وكفى الله المؤمنين القتالا
فلما تحقّق السلطان موت آقبردى جهّز المراسيم إلى الأمراء الذين كانوا صحبة آقبردى، وهم: تانى بك قرا الذى كان أمير مجلس، وآقباى نائب غزّة الذى كان رأس نوبة النوب، وجانم المصبغة الذى كان حاجب الحجاب، وقنبك نائب الإسكندرية الذى كان أحد المقدّمين بمصر؛ فأما تانى بك قرا وآقباى فرسم لهما السلطان بأن يتوجّها إلى القدس ويقيما به وهما بطالين؛ وأما جانم المصبغة وقنبك توجّها إلى الشام بطالين؛ واستمر تانى بك قرا وآقباى فى القدس حتى كان من أمرهما ما سنذكره فى موضعه؛ وأما أينال الصغير السلحدار الذى كان واليا أحد العشرات، [الذى كان صحبة آقبردى، فإنه غرق فى بعض الأنهار على ما ذكر](١)؛ وأما بقية العسكر الذى كان مع آقبردى، فمات منهم جماعة كثيرة، ودخل منهم إلى مصر الباقون، وخمدت فتنة آقبردى كأنها لم تكن، بعد ما جرت منه أمور مهولة بمصر وبالبلاد الشامية، وهذا أمر مشهور بما وقع له.
وفى ذى الحجة فرّق السلطان الضحايا على العسكر، وكان عيدا حافلا، وجاء العيد بالجمعة، ولهج الناس بزوال السلطان عن قريب، وكان الأمر كذلك ولم يقم إلى العيد الثانى. - وفيه توفى الطواشى مقبل الرومى الأشرفى أينال رأس نوبة السقاة، وكان لا بأس به، فلما مات أخلع السلطان على الطواشى محسن الحبشى الأشرفى قايتباى وقرّره رأس نوبة السقاة، عوضا عن مقبل الرومى بحكم وفاته، وقد قاسى محسن هذا فيما بعد غاية الشدائد والمحن.
وفيه انتقل قصروه من نيابة حلب إلى نيابة الشام، عوضا عن جان بلاط من يشبك، بحكم انتقاله إلى الأتابكية بمصر؛ وانتقل دولات باى من أركماس نائب
(١) الذى كان صحبة … على ما ذكر: فى ف: قيل إنه قتل وقيل إنه غرق فى بعض الأنهار.