للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى ذى القعدة جاءت الأخبار من حلب بوفاة الأمير آقبردى من على باى أمير دوادار كبير، وكان أميرا جليلا، رئيسا حشما، بشوشا متواضعا، كريما سخى النفس، فى سعة من المال، مثريا جدا، وكان أصله من مماليك الأشرف قايتباى، ثم ظهر أنه قريبه ورقى فى أيامه إلى منتهى الرياسة، وولى عدة وظائف سنية، منها أمرة السلاح، والدوادارية الكبرى، والوزارة، والأستادارية، وكاشف الكشاف، وقريب السلطان، وعديله، تزوّج بأخت خوند الخاصبكية، ومدبّر المملكة، وصاحب الحلّ والعقد بالديار المصرية؛ وكان وافر الحرمة، نافذ الكلمة، شديد العزم، شجاعا بطلا مقدما فى الحرب، تولّى الدوادارية الكبرى بعد يشبك من مهدى سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وأقام بها نحوا من ست عشرة سنة، وكان مغدقا بالعطاء الجزيل على الأمراء والعسكر، وجرى عليه شدائد ومحن، ونهبت أمواله أربعة مرار، وقاسى من الشدائد والضيق ما يطول شرحه، واستمرّ يحارب عسكر مصر بمفرده نحوا من ثلاث سنين، وكان غالب العسكر عليه فلم يظفر به أحد، ولم يسلّم نفسه عن عجز، ولا سجن قط، ولا تقيّد، وآخر الأمر مات على فراشه من غير أن يقتل، فكان كما يقال:

أنا أسمر والراية البيضاء لى … لا للسيوف وسل من الشجعان

لم يحل لى عيش العداة لأننى … نوديت يوم الحرب بالمرّان (١)

قيل إن آقبردى لما دخل إلى حلب وأقام بها اعتراه أكلة فى وجهه، فرعت فى جسده حتى مات بحلب، ودفن عند سيدى سعد الأنصارى رحمة الله عليه، ثم نقلت جثته إلى القاهرة فى أواخر صفر سنة خمس وتسعمائة، ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء، ومات وله من العمر دون الخمسين سنة؛ وكان أسمر اللون، عربى الوجه، طويل القامة، نحيف الجسد، مستدير اللحية، أسود الشعر، غير عبوس الوجه، وكان لا بأس به، وكان السلطان والأمراء يخشون (٢) من سطوته، فلما مات


(١) بالمرن: فى ف: بالميدان، وعلى الهامش: بالمران والمراد به الرمح.
(٢) يخشون: يخشوا.