للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك البيوت المطلّة على الشوارع، وصار يركب هو بنفسه فى كل ليلة بعد العشاء، وقدّامه فانوسين (١) أكرة وأربع مشاعل، ومعه أولاد عمّة قيت:

جانم وأخوه جانى بك، وقدّامه عدّة عبيد سود، ومعهم مكاحل نفط، فكان إذا طاف بالقاهرة من بعد العشاء، ورأى أحدا يمشى فى الشوارع يقطع أذنيه مع أنفه، وشئ يضربه بالمقارع، وشئ يوسّطه، فقتل من الناس ما لا يحصى فى مدّة يسيرة، وكان إذا مرّ بدكان ولم ير عليها قنديلا، يسمّر الدكان وهو واقف بنفسه عليها حتى تسمّر، وكل هذا خفّة وطيش، وقد بهدل حرمة المملكة فى أيامه ولم يتبع طريقة الملوك السالفة فى إقامة حرمة السلطنة، وصار على طريقة والى الشرطة.

وفيه قبض بعض الخاصكية على عبد من عبيد السلطان، يقال له فرج الله، وكان مقربا عنده إلى الغاية، فلما قبضوا عليه قتلوه بالرملة، فشقّ ذلك على السلطان وتأسّف عليه، ولم يقدر أن يحميه من المماليك، فإنهم كانوا يومئذ طالبين الشرّ مع السلطان، بسبب هذه الأفعال التى بتصدر (٢) منه. - وفيه قرر شاهين الجمالى باستمراره فى نظر الحرم الشريف النبوى على عادته، فخرج إلى السفر عن قريب، وأمره السلطان أن يتوجّه إلى يحيى بن سبع أمير الينبع، ويصلح بينه وبين أمير مكة، وكان وقع بينهما فى تلك الأيام وحشة.

وفى رجب ظهر الطاعون بالقاهرة ومات به جماعة. - وفيه تخوّفت خوند أصل باى أم الناصر على ولدها من خاله قانصوه، وكانت المماليك قد التفّوا عليه، فأحضرت المصحف العثمانى إلى بين يديها فى قاعة الواميد، وحلّفت عليه أخاها قانصوه وابنها الناصر محمد بوفاء كل منهما إلى صاحبه، ولم يفد من تلك الأيمان شئ. - وفيه خرج خاير بك أخو قانصوه البرجى قاصدا إلى ابن عثمان، فخرج فى تجمّل زائد، وأصرف فى هذه الحركة مالا له صورة. - وفيه توفى الشيخ داود المالكى، وكان من أعيان علماء المالكية، من أهل العلم والدين، وكان لا بأس به.

وفى شعبان تزايد أمر الطاعون بالديار المصرية، ومات من المماليك والأطفال


(١) فانوسين: كذا فى الأصل.
(٢) بتصدر: كذا فى الأصل.