للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المحاصرة، وهو مقيم بباب السلسلة، والأمراء عنده والخليفة والأربعة قضاة، فاستمرّ على ذلك يوم الأربعاء والخميس.

فلما كان يوم الجمعة مستهلّ (١) جمادى الآخرة وقع فى ذلك اليوم واقعة مهولة، وقت صلاة الجمعة (٢)، فلما رأى قانصوه خمسمائة عين الغلب ركب وخرج من باب السلسلة، وكذلك جماعة الأمراء المقدّمين، الذين (٣) كانوا عنده، فلما خرج قانصوه من باب السلسلة وقف عند سبيل المؤمنى، فحرّر عليه بعض الرماة بكفّية، وقيل بسهم نشاب، فجاء فى وجهه (٤)، فسقط عن فرسه إلى الأرض وقد أغمى عليه وغاب عن الوجود، فحملوه الغلمان على أكتافهم، وبقى لباسه بدكّته باينا للناس، ورأسه مكشوفة، عليها زمط أقرع، فنزلوا به من الصليبة وهو على هذه الهيئة، فلما وصلوا به إلى المدرسة الجاولية أركبوه على حمار، وهو مغمى عليه لا يدرى بما جرى له، فلما وصلوا به إلى درب الشمسى اختفى فى مكان هناك، وكانت هذه الواقعة من أعجب الوقائع وأغربها، كما يقال:

وبين اختلاف الليل والصبح معرك … يكرّ علينا جيشه (٥) بالعجائب

فلما انكسر قانصوه خمسمائة، وخرج من باب السلسلة على أنحس حالة، نزل المماليك الجلبان من القلعة إلى باب السلسلة، ونهبوا كلما كان فيه من سلاح وقماش وغير ذلك، ونهبوا طستخانات الأمراء والخليفة، وخطفوا عمائم القضاة ونوابهم، وما سلم الخليفة والقضاة من القتل إلا سلامة، وقتل من هذه الحركة جماعة من الجند، وقتل شخص من الأمراء العشرات يقال له كمشبغا، وكانت هذه النصرة للملك الناصر على قانصوه خمسمائة على غير القياس، بعد أن ملك باب السلسلة، وبايعه


(١) مستهل جمادى الآخرة: كذا فى الأصل وكذلك فى ف، ولعله يقصد: آخر جمادى الأولى.
(٢) صلاة الجمعة: أضيف بعدها فى ف ما يأتى: وأحرقوا المماليك الذين بالقلعة سقيفة الاصطبل السلطانى بحراريق وبارود، وأرموه عليها، فاحترق الاصطبل، وصار المقعد الذى بباب السلسلة مكشوفا، فخاف قانصوه خمسمائة على نفسه أن يرموا عليه شيئا من فوق، وكانت سقيفة الاصطبل تمنع الرمى عن المقعد الذى بباب السلسلة.
(٣) الذين: الذى.
(٤) فجاء فى وجهه: فى ف: فجاءت على طرف أذنه جوازا.
(٥) جيشه: جشيه.