مولده سنة سبع وثمانين وثمانمائة، وكانت أمه جركسية تسمى أصل باى من مشتروات الأشرف قايتباى، وكان الملك الناصر محمد هذا جميل الهيئة، مليح الشكل، وعنده عترسة وجرأة فى الأمور، متحرك فى نفسه، وعنده رهج وخفّة، ومما مدح به، وهو قول القائل:
إن العناصر فى سلطاننا اجتمعت … شمائلا بهرت من حين مولده
قد ناسب النار عزما والهوى خلقا … والبحر جودا وملك الأرض فى يده
ولما كان يوم الأحد سابع عشرين هذا الشهر، كانت وفاة الملك الأشرف قايتباى، وقد تقدّم ذكر ذلك، توفى بعد العصر من ذلك اليوم، وبات [بالقلعة](١) فطافت له ندراء بالقاهرة وهم يقولون: [نصلّى](١) غدا باكر النهار على العبد الفقير إلى الله تعالى الملك الأشرف قايتباى، فتأسّف عليه الكثير من الناس.
فلما كان يوم الاثنين ثامن عشرينه، وهو اليوم الثالث من سلطنة ولده، فشرع الأمراء فى تجهيزه وإخراجه فغسل فى المبيت الذى مات به، وأخرج نعشه إلى قدّام الدكة التى بالحوش، فصلّى عليه هناك، ونزلوا من سلم المدرج، ومشت قدّامه الأمراء والعسكر قاطبة، وكانت جنازته مشهودة بخلاف من يموت من الملوك، فتوجّهوا به إلى تربته التى أنشأها بالقرب من زاوية سيدى عبد الله المنوفى رحمة الله عليه، فدفن بها وانقضت مدّته من الدنيا كأنه لم يكن، وزال ملكه بعد أن حكم بالديار المصرية والبلاد الشامية تسعة وعشرين سنة وأربعة أشهر وواحدا وعشرين يوما، وهذه المدّة لم تتفق لأحد من الملوك قبله، وقد قيل فى المعنى:
إن الذى اغترّ بالدنيا وزينتها … وظلّ فيها بحب المال مفتونا
أتت إليه المنايا وهى مسرعة … فأصبح الجسم تحت الترب مدفونا
قد فارق الأهل والأوطان وانقطعت … آماله وغدا فى القبر مرهونا
خلا بأعماله ما كان من حسن … أو من قبيح به قد صار مقرونا
انتهى ذلك. - وفى ذى الحجة فرّق السلطان الملك الناصر الضحايا على العادة