للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اشتدّ الأمر، حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله، ولا ينكر عليه ذلك بين الناس؛ ثم اشتدّ الأمر، حتى صار الناس إذا مرّوا فى الطرقات، وقوى القوىّ على الضعيف، فيذبحه ويأكله جهارا.

وصارت طائفة من العوام، يجلسون على السقائف، وبأيديهم حبال فيها كلاليب، فإذا مرّ بهم أحد من الناس، ألقوا عليه تلك الحبال، ونشلوه بالكلاليب فى أسرع وقت، فإذا صار عندهم، ذبحوه فى الحال وأكلوه بعظامه.

وقيل إنّ الوزير ركب يوما على بغلة، وتوجّه إلى دار الخلافة، فلما نزل عن البغلة، أخذت من غلمانه، وأكلت فى الحال، فأمسكوا الذين فعلوا ذلك وشنقوهم، وعلّقوهم على الخشب، فلما باتوا أصبحوا فلم يجدوا أحدا من المشانيق، وقد أكلوا من على الخشب - هكذا نقله ابن أبى حجلة.

قال بعض المؤرّخين: كان بمدينة الفسطاط حارة، تسمّى حارة الطبق، وكان فيها نحو عشرين دارا، كل دار تساوى فى الثمن ألف دينار، فأبيعت هذه الحارة كلها بطبق خبز، كل دار برغيف، فسمّيت من يومئذ: حارة الطبق.

وقال ابن الجوزى: بلغنى أنّ امرأة خرجت من مدينة الفسطاط، ومعها ربع من اللؤلؤ، وقالت: «من يأخذ منى هذا الربع اللؤلؤ، ويعطنى عوضه قمحا»؟ فلم تجد من يأخذه منها، ويعطيها عوضه قمحا، فلما أعيت من الطلب، ألقته على الأرض، وقالت: «إن لم تنفعنى وقت الحاجة، فلا حاجة لى بك»، وتركته ومضت، فأقام مرميّا (١) على الأرض ثلاثة أيام، ولم يجد من يلتقطه من الناس - نقل ذلك المقريزى فى السلوك.

قال الشيخ تاج الدين بن المتوج: إنّ امرأة من ذوى البيوت، أخذت عقدا من الجوهر، قيمته ألف دينار، فعرضته على جماعة من الناس، بأن يعطوها عوضه دقيقا، فلم نجد من يعطيها (٢) به دقيقا، ثم إنّ بعض الناس عطف عليها، وأعطاها بذلك العقد


(١) مرميا: مرمى.
(٢) يعطيها: يعطها.