للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت مدة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية تسعة وعشرين سنة وأربعة أشهر وواحد وعشرين يوما، بما فيه من مدّة انقطاعه عند توعّك جسده، فإنه تسلطن يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وتوفى يوم الأحد سابع عشرين ذى القعدة سنة إحدى وتسعمائة، وهذه المدّة لم تتّفق لأحد من ملوك الترك قبله.

وعاش عمره كله وهو فى عزّ وشهامة، من حين كان خاصكيا إلى أن بقى سلطانا ولا نفى قط، ولا تقيّد ولا سجن، وكان عليه سكينة ووقار، مهاب الشكل فى العيون جميل الهيئة، مبجّلا فى موكبه، كفوا للسلطنة، وافر العقل، سديد الرأى، عارفا بأحوال المملكة، يضع الأشياء فى محلها، ولم يكن عجولا فى الأمور، بطئ العزل لأرباب الوظائف، يتروّى فى الأمور أياما قبل وقوعها، وكان لا يخرج إقطاع أحد من الجند إلا بحكم وفاته، ويرسل يكشف عليه وهو ميت حتى يصدّق بموته.

وكان صفته طويل القامة، عربى الوجه، مصفّر اللون، نحيف الجسد، شائب اللحية، تولّى الملك وله من العمر نحو من أربعة وخمسين سنة، وكان موصوفا بالشجاعة، عارفا بأنواع الفروسية، ولا سيما فى فن لعب الرمح، علامة فى كل فن؛ لكنه كان محببا لجمع الأموال، ناظرا لما فى أيدى الناس، ولولا ذلك لكان خيار ملوك الجراكسة على الإطلاق، ولكنه كان معذورا فى ذلك، تحرّك عليه فى أيام سلطنته شاه سوار، وحسن الطويل، وابن عثمان، وغير ذلك من ملوك الشرق وغيرها، وجرّد إليهم عدّة تجاريد، نحو ست عشرة تجريدة، وهو ثابت على سرير ملكه لم يتزحزح، حتى قيل ضبط ما أصرفه على نفقات التجاريد التى جرّدها فى أيام سلطنته إلى أن مات، فكانت نحوا من سبعة آلاف ألف دينار وخمسة وستين ألف دينار، خارجا عما كان ينفقه على المماليك عند عودهم من التجاريد، وهذا من العجائب التى لم يسمع بمثلها.

وكان مغرما بمشترى المماليك، حتى قيل لولا الطواعين التى وقعت فى أيامه، لكان تكامل عنده ثمانية آلاف مملوك؛ ومن العجائب أن من بعده قد انحصرت