للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النوادر، ولم يسمع بمثل ذلك فيما تقدّم من الدول الماضية، أن أحدا من السلاطين فعل مثل ذلك، فكانت نفقة الأتابكى أزبك وحده ثلاثون ألف دينار، وكانت عادة نفقة الأتابكية إلى دولة الظاهر برقوق عشرة آلاف دينار، ولم يسمع بأوسع من هذه النفقة قط، فكان كما يقال.

تهب ألوفا ولا تهاب ألوفها … هان العدوّ لديك والدينار

فلما أخذوا المماليك النفقة، أطلقوا فى الناس النار، وأخذوا الأبغال والخيول حتى أكاديش الطواحين، وحصل منهم الضرر الشامل فى حق التجار وغير ذلك. -

وفيه جاءت الأخبار من بلاد المغرب باستيلاء الفنش (١) صاحب قشتيلية على مدينة مالقة (٢) من بلاد الأندلس، وكانت كاينة عظيمة وقعت هناك. - وفيه كان خروج الأتابكى أزبك ومن عيّن معه من الأمراء والعسكر، فرجّت لهم القاهرة، وكان يوما مشهودا، واستمرّت الأطلاب تنسحب من إشراق الشمس إلى بعد الظهر، وخرج العسكر وهم لابسون آلة السلاح حتى عدّ ذلك من النوادر الغريبة، وكان طلب الأتابكى أزبك وطلب قانصوه خمسمائة غاية فى الحسن، حتى قيل كان مصروف طلب قانصوه خمسمائة بنحو من ثمانين ألف دينار؛ ثم إن الأمراء نزلوا بالريدانية واستمرّوا هناك إلى أن رحلوا، ولم تخرج من مصر تجريدة أعظم من هذه، حتى ولا فى أيام برقوق.

وفيه قبض السلطان على أبى الفتح المنوفى نائب جدّة، ورسم عليه بطبقة الزمام، وكان حصل له ماخولية وطرف جنون؛ ثم أخلع على شاهين الجمالى وقرّره فى نيابة جدّة، عوضا عن أبى الفتح، ثم أمر السلطان بتوجّه أبى الفتح إلى البيمارستان، فإنه لما أحضر بين يديه كلمه السلطان، فردّ له الجواب كجواب من فى عقله خلل، فأمر بضربه بالمقارع، فشفع فيه بعض الأمراء، وشهد جماعة من المباشرين بأنه قد حصل له ماخولية، فأمر بأن ينزلوا به إلى البيمارستان وهو عريان مكشوف الرأس، ماشى وفى عنقه زنجير، ورسم بأن يدعوه عند المجانين، ففعلوا به ذلك، فأقام


(١) الفنش: الفيش، وفى ف: القيس.
(٢) مالقة: مالقية.