ثم قويت الإشاعة بوقوع فتنة كبيرة، وصاروا جماعة من المماليك الجلبان يقفون للأمراء بسلم المدرج، ويقولون لهم: قولوا للسلطان ينفق علينا وإلا يقع منا فتنة كبيرة، وصاروا يغلظون عليهم فى القول، وصار القيل والقال عمّالا كل يوم، والإشاعات قائمة بوقوع فتنة، وقصدوا الإخراق بالأمير آقبردى الدوادار غير ما مرّة حتى امتنع أياما عن طلوع القلعة.
وفيه قرّر فى قضاء الحنفية بدمشق القاضى زين الدين عبد الرحمن الحسبانى، عوضا عن عماد الدين إسماعيل الناصرى، بحكم صرفه عنها. - وفيه جاءت الأخبار بوفاة قاضى مكة البرهان بن ظهيرة الشافعى، وهو إبراهيم بن على بن محمد ابن حسين بن على بن أحمد بن ظهيرة الشافعى، وكان عالما فاضلا بارعا فى العلوم، رئيسا حشما انتهت إليه رئاسة مكة، وكان المرجع إليه بها، ولما مات قرّر فى قضاء الشافعية بمكة ولده أبو السعود عوضا عنه.
وفيه كان دخول الأتابكى أزبك وبقية الأمراء والجند، ممن كان مسافرا فى التجريدة إلى على دولات وعسكر ابن عثمان، فلما دخل العسكر إلى القاهرة كان لهم يوم مشهود حتى رجّت لهم القاهرة، وكان قدّامهم الأسرى (١) من عسكر ابن عثمان وهم مشاة فى زناجير، وصناجق ابن عثمان منكّسة، وكان صحبتهم جماعة من أمرائه وهم فى زناجير على خيول، ودخل الأمير أحمد بن هرسك راكبا وفى عنقه زنجير، وكان ابن هرسك من أعيان أمراء ابن عثمان؛ فلما عرضوا على السلطان وهو بالحوش عاتب أحمد بن هرسك ووبّخه بالكلام، ثم سلّمه إلى الأمير قانصوه خمسمائة أمير آخور كبير، ثم وزّع بقية الأسرى على جماعة من المباشرين، حتى قضاة القضاة، ثم أخلع على الأتابكى أزبك وبقية الأمراء، ونزلوا إلى دورهم لما انقضى أمر هذه الحركة.
ففى عقيب ذلك ثار جماعة من المماليك الجلبان على السلطان، ولبسوا آلة الحرب وأشهروا السلاح، وكان ذلك فى سلخ هذا الشهر، فاضطربت الأحوال ووزع أكثر الأمراء والناس حوائجهم فى الحواصل، وغلقت الأسواق والدكاكين، وجاءت
(١) الأسرى: الأسراء. والأسرى وردت صحيحة فيما يلى سطر ١٩.