للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان شابا رئيسا حشما لا بأس به، ولكن وقع له شدائد ومحن ونفى من مصر، وكان من خواص السلطان ثم تغيّر خاطره عليه، وجرى له أمور شتّى. - وفيه أخلع السلطان على الشيخ ناصر الدين محمد بن الإخميمى شيخ المدرسة البرقوقية وقرّره فى قضاء الحنفية، عوضا عن شمس الدين الغزّى بحكم انفصاله عنها، وجرى على الغزّى أمور يطول شرحها.

وفيه خرج الحاج من القاهرة فى تجمّل زائد، وكان أمير ركب المحمل أزدمر تمساح على العادة. - وفيه رسم السلطان بتوسيط شخص من أعيان المفسدين فى الأرض، يقال له حمّور، ووسّط معه شخص آخر من المفسدين، فنزلوا بحمّور من القلعة وهو مسمر على لعبة من الخشب غريبة الهيئة تجرّ بالعجل، ولها حركات تدور بها، فرجّت القاهرة فى ذلك اليوم، وكان له يوم مشهود (١)، فتوجّهوا به إلى جزيرة الفيل فوسّطوه هناك، وأراح الله الناس منه.

وفيه أرسل السلطان تجريدة إلى البحيرة، بسبب فساد محمد الجويلى شيخ عربان البحيرة، وكان باش الجند قرقماس المعلم أحد الأمراء العشرات، وأسنباى المبشّر، وأزبك قفص، وماماى، ونحو من مائتين (٢) مملوك من المماليك السلطانية، فلما وصلوا إلى البحيرة تقاتلوا مع الجويلى أشدّ قتال، وقتل من الترك والعرب جماعة كثيرة، ورجع العسكر من غير طائل، ولا حصلوا من الجويلى على شئ.

وفيه وقعت نادرة غريبة، وهو أن مركبا ببولاق عدّت بجماعة تحت الليل، فغرقت فى وسط البحر بمن فيها من الناس والدواب، ومن العجائب أن كان بها إنسان (٣) علامة فى السباحة يعوم من البرّ إلى البرّ، فغرق ولم يعلم له خبر، وكان إلى جانبه صبىّ صغير (٤) لا يعرف السباحة فنجا من الغرق وطلع إلى البرّ، فعدّ ذلك من النوادر، كما قيل:

وقد يهلك الإنسان من باب أمنه … وينجو بعون الله من حيث يحذر


(١) يوم مشهود: يوما مشهودا.
(٢) مائتين: كذا فى الأصل.
(٣) إنسان: إنسانا.
(٤) صبى صغير: صبيا صغيرا.