وفيه هجم جماعة من المنسر على سوق باب الشعرية، وقتلوا البواب، وفتحوا عدّة دكاكين، وأخذوا ما فيها، وخرجوا من الباب، ولم ينتطح فى ذاك شاتان.
وفى جمادى الأولى حمل السلطان وهو على السرير وخرج إلى الدهيشة، وجلس بالشباك المطلّ على الحوش، وعرض قدّامه عدّة خيول، فحصل للناس الاطمان عليه. - وفيه حصل للسلطان الشفاء ودخل الحمام، فلما كان يوم الجمعة ركب من باب الدهيشة وتوجّه إلى الجامع وصلّى الجمعة، وكان له بالقلعة يوم مشهود، وتخلّق الخدّام بالزعفران، وفرّقت خوند على الناس البنود الحرير الأصفر، فوضعوهم فى أوساطهم جماعة من الخدّام والخاصكية، حتى الزمام، ومقدّم المماليك، وغلمان السلطان قاطبة، وأعيان الناس من الحجاب، ورءوس النوب، ونقيب الجيش، وغير ذلك من الأعيان، ولما رجع السلطان من الجامع لاقته المغانى، ونثرت خوند على رأسه خفائف الذهب والفضة، وفرشت له الشقق الحرير تحت حافر فرسه، وكان يوما حافلا بالقلعة؛ وأخلع على الأطباء والمزينين الخلع السنية، ودقّت البشائر بالقلعة، ونودى بالزينة فى القاهرة.
فلما كان غد ذلك اليوم طلع الخليفة والقضاة الأربعة وهنّوا السلطان بالعافية، وجلس على الدكة وحكم بين الناس، وكان مدّة انقطاعه بهذا العارض نحوا من ثلاثة وخمسين يوما، وكان الناس قد أيسوا منه، فعدّ ركوبه من النوادر بعد ذلك العارض المهول، وقد قال القائل فى المعنى:
الله يدفع عن نفس الإمام لنا … وكلنا للمنايا دونه عرض
فليت أن الذى يعروه من مرض … بالعايدين جميعا لا به المرض
ففى الإمام له من غيرنا عوض … وليس فى غيره منه لنا عوض
فما أبالى إذا ما نفسه سلمت … لو باد كلّ عباد الله وانقرضوا
وفى جمادى الآخرة جاءت الأخبار بأن عسكر ابن عثمان، بعد أن حصل لهم تلك الكسرة، تجمّع جيشا كثيفا ورجع إلى المحاربة ثانيا، وأن عسكر السلطان بعد أن رجع إلى حلب خرج ثانيا إلى نحو كولك؛ فانزعج السلطان لهذا الخبر، ثم نادى