للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذراعا وثلاثة أصابع وانهبط، فشرقت البلاد، ووقع الغلاء بمصر؛ فاجتمع الناس قاطبة تحت قصر الزمرّد، يستغيثون بالحاكم أن ينظر فى أحوال الناس، فقال لهم:

«إذا كان الغد، أتوجّه إلى جامع راشدة، وأعود، فإن وجدت فى طريقى مكانا خاليا من الغلّة، ضربت عنق صاحب ذلك المكان على بابه»؛ فلما توجّه إلى جامع راشدة، وعاد بعد العصر، فما بقى أحد من أهل مصر والقاهرة، إلا وحمل ما عنده من الغلال ووضعها فى الطريق التى (١) يمرّ من عليها الحاكم.

فلما رجع من جامع راشدة، وجد الغلال قد امتلأت بها الطرقات، وشبعت أعين الناس؛ ثم إنّه قرّر مع أصحاب الغلال، أنّ أحدا لا يدخر فى بيته شيئا من الغلال؛ ثم قرّر معهم سعر كل صنف من الغلال بثمن معلوم لا يزيد (٢) ولا ينقص، فعند ذلك سكن الرهج الذى كانت فيه الناس، ووقع الرخاء بمصر وسائر أعمالها؛ وكان الحاكم شديد البأس، إذا أمر بشئ، لا يرجع عنه، ولا يرادد فيه، وقد قيل فى المعنى:

صاحب أخا الشرّ لتسطو (٣) به … يوما على بعض صروف الزمان

فالرمح لا يرهب أنبويه … إلا إذا ركّب فيه السنان

ومن الحوادث فى أيامه، أنّ جماعة من العربان وثبوا على كسوة الكعبة، وانتهبوها جميعها، فكسيت الكعبة فى تلك السنة الشنفاص الأبيض، وهذا من الغرائب، فإنّ الكعبة ما كسيت شنفاص قطّ إلا فى زمن الحاكم.

ثم إنّ الحاكم عزل الوزير أبو نصر العلاجى، واستقرّ بعلى بن أحمد الجرجاوى، فى الوزارة، عوضا عن أبى نصر العلاجى، وكان من ذوى العقول، فساس الناس أحسن سياسة.

ومن النكت المضحكة، قيل، كان فى زمن الحاكم قاض بمصر، يقال له النطاح، وسبب ذلك أن كان له طرطور من جلد، وفيه قرنان من قرون البقر، فيضع هذا


(١) التى: الذى.
(٢) يزيد: يزد.
(٣) لتسطو: لتسطوا.