للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما مرّ الحاكم، ومضى، أحضر ذلك الرجل الجراب إلى صاحبه، وقال:

«لقد تذكّرت وديعتك، فوجدتها فى البخارية، وها هى بختمها لم تفتح»؛ فأخذ منه الرجل الجراب ومضى به إلى الحاكم؛ وعرّفه ما جرى له مع الرجل، فقال له الحاكم: «خذ جرابك وامض (١) إلى حال سبيلك»؛ فلما أصبح الصباح، فرأى الرجل، الذى كان عنده الجراب، مشنوقا على باب داره، والناس يتحدّثون فى أمره بسبب الجراب، انتهى.

وفى أيامه، فى سنة أربع وسبعين وثلثماية، توفّى الشيخ نور الدين على بن عمّان القيروانى، قاضى قضاة مصر، وكان شيعيّا، وكان له شعر جيّد، وهو معدود من شعراء مصر فى النظم الرقيق، فمن ذلك قوله:

صنم من الكافور بات معانقى … فى حلّتين، تعفّف وتكرّم

فكّرت ليلة وصله فى هجره … فجرت بقايا أدمعى كالعندم

فطفقت أمسح مقلتى فى جيده … إذ شيمة الكافور إمساك الدم

[ومن الحوادث فى أيامه، أنّ النيل لم يزد لا كثيرا ولا قليلا، فقيل للحاكم إنّ هذا من فعل الحبشة، قد حيّروا مجرى النيل، فأمر بطرك النصار بأن يتوجّه إلى الحبشة؛ فلما وصل البطرك إلى بلاد الحبشة، ودخل على ملكهم، أكرمه وسجد له، وسأله عن سبب قدومه عليه، فعرّفه أنّ النيل قد نقص، ولم يزد عندنا شئ، وقد أضرّ ذلك بسكّان مصر، فأمر ملك الحبشة بفتح سدّ عندهم، الذى يجرى منه إلى مصر ماء النيل، لأجل أنّ البطرك قدم عليه، فزاد النيل فى تلك السنة زيادة قويّة، حتى أوفى (٢)؛ أورد ذلك المسبحى (٣) فى تاريخه، انتهى ذلك] (٤).

ومن الحوادث فى أيامه، أنّ فى سنة سبع وثمانين وثلثماية، بلغ النيل ستة عشر


(١) وامض: وامضى.
(٢) أوفى: أوفا.
(٣) المسبحى: المسيحى.
(٤) ومن الحوادث … انتهى ذلك: كتبت فى الأصل على هامش صفحتى (١٠٠ ب و ١٠١ آ).