ومن الحوادث فى جمادى الأولى أن فى يوم الثلاثاء عاشره ثار جماعة من المماليك الجلبان، وتوجّهوا إلى دار برسباى قرا ونهبوا كلما فيها وأحرقوها عن آخرها، ونهبوا الربوع التى بجوارها وأحرقوها، حتى نهبوا بسط المدرسة الأبو بكرية والفخرية، حتى أخذوا القناديل التى بهما، وكانت مصيبة شنيعة؛ وهى أول فتك الجلبان بالقاهرة واستخفافهم بالسلطان، واستمرّت الفتن من يومئذ تتزايد حتى كان منهم ما سنذكره فى موضعه؛ وكان سبب كاينة برسباى قرا أن شخصا من المماليك الجلبان دخل إلى سوق الشرب ليشترى ثوب بعلبكى من بعض التجار، فتعترس عليه وضربه ضربا مبرحا وأخذ منه الثوب البعلبكى غصبا، فشكاه التاجر من باب برسباى قرا، وكان يومئذ رأس نوبة النوب، فطلب ذلك المملوك، فلما حضر قامت عليه البيّنة بما فعله فى سوق الشرب؛ فأدّبه برسباى قرا وضربه بين يديه، فلما بلغ خشداشينه ذلك ثاروا على برسباى قرا وفعلوا به ما فعلوا وراموا يحرقوا (١) سوق الشرب، حتى أخلوا منه التجار قاطبة وكادت أن تكون فتنة كبيرة تعمّ البلد؛ ثم إن الأتابكى أزبك مشى بين المماليك الجلبان وبين برسباى قرا بالصلح، وسكن الحال قليلا.
وفى جمادى الآخرة جاءت الأخبار بأن على دولات بن ذلغادر قد أتى إلى ملطية فى جمع كبير من العساكر، وقد حاصر البلد أشدّ المحاصرة، فانزعج السلطان لهذا الخبر. - وفيه توفى قانى باى الفلاح الأشرفى أحد العشرات، وأصله من مماليك الأشرف برسباى، وكان بارعا فى فنون الرمح؛ وتوفى مغلباى الفقيه أحد العشرات، وكان أصله من مماليك العزيز، وكان له اشتغال بالعلم.
وفيه عرض السلطان الجند وعيّن تجريدة إلى حلب بسبب على دولات بن ذلغادر، وعيّن بها من الأمراء أزدمر أمير مجلس، الذى كان نائب حلب، والأمير تغرى بردى ططر حاجب الحجاب، ومن الأمراء الطبلخانات الأمير قنبك جشحة رأس نوبة ثانى، ومن العشرات تانى بك الأينالى الحاجب الثانى، وسودون الصغير العلاى، وبرد بك المحمدى الخازندار، ونانق، ومن الجند نحوا من خمسمائة مملوك،
(١) يحرقوا: كذا فى الأصل، ويلاحظ الأسلوب فى هذه الفقرة.