للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن فلان، وهو فى المكان الفلانى، فى الحارة الفلانية»، فيرسل الحاكم بعض غلمانه إلى ذلك المكان، فيحضر الضائع بعينه، فيسلّمه إلى صاحبه؛ فلا زال يحضر لكل شخص من الناس ما ضاع له، حتى ردّ على الناس ما كان ضاع لهم فى تلك الليلة بتمامه وكماله.

ثم أحضر اللصوص الذين (١) سرقوا، فأمر بشنقهم، فشنقوا أجمعين، ثم نادى فى مصر والقاهرة: «رحم الله من رأى العبرة من غيره، واعتبر»؛ فصار الناس من بعد ذلك يتركون دكاكينهم وأبوابهم مفتّحة، ليلا ونهارا، ولم يفقد لأحد من الناس شئ (٢)، حتى كان يقع من الرجل الدرهم الفلوس، فلا يجسر أحد من الناس أن يأخذه من الأرض، حتى يمرّ به صاحبه فيأخذه، ولو بعد حين.

وحكى بعض المؤرّخين أنّ رجلا وقع منه كيس، فيه ألف دينار، عند جامع أحمد بن طولون، فصار مرى على الأرض، وكل من رآه يتباعد عنه، فأقام مرمى (٣) على الأرض أسبوعا، حتى مرّ صاحبه به وأخذه.

وأمر هذا الصنم هو الذى جسّر الحاكم على أن جعل الليل مقام النهار فى أحوال الناس؛ وقيل إنّ هذا الصنم لم يزل عند الحاكم حتى قتل، فعمد إليه بعض اللصوص، وكسره تحت الليل، فبطل من يومئذ فعله، وذهب عنه الروحانى الذى كان فى جوفه.

وقيل إنّ رجلا أودع عند رجل جرابا فيه ألف دينار، وسافر إلى الحجاز، فلما عاد طلب منه الجراب فأنكره، ولم يقرّ به، فشكاه إلى الحاكم، فقال له الحاكم:

«اقعد لى على الشارع، فإذا مررت بك، فقم إلىّ وتحدّث معى حديثا طويلا»، فلما مرّ الحاكم بالرجل، قام إليه وتحدّث معه، وأطال معه الحديث، فسرّ به الرجل الذى عنده الجراب، فرأى صاحب الجراب يتحدّث مع الحاكم حديثا طويلا.


(١) الذين: الذى.
(٢) شئ: شيئا.
(٣) مرمى: كذا فى الأصل.