من جملة الأعيان، فلما قبض عليها يشبك كانت فى بعض الأفراح، فقبض عليها من هناك، فلما مثلت بين يديه قال لها: أأنتى التى أفسدتى أعيان الناس؟ ثم أمر بضربها بين يديه، فصربت نحوا من خمسين عصاة، وقرّر عليها مبلغ له صورة، وكتب عليها قسامة بأنها لا تغنى ولا تحضر فى مقام؛ فلما خلصت من ذلك أقامت مدّة وهى مريضة من الرجفة التى وقعت لها، ثم ماتت عقيب ذلك، وكان لها من العمر دون الثلاثين سنة، فتأسّف عليها الكثير من الناس، انتهى ذلك.
وفى هذا الشهر كان ختان أولاد القاضى كاتب السرّ ابن مزهر ببركة الرطلى، فكان له مهمّ حافل جدا، وحضر عنده جماعة من الأمراء المقدّمين والعشرات، وحضر عنده جمجمة بن عثمان وبات عنده، وكان النيل فى أواخره، فأمر كاتب السرّ سكان البركة بأن يوقدوا فى البيوت وقدة حافلة، وشرع يرسل لكل بيت فى البركة عشرة أرطال زيت وطبلية فيها أكل فاخر من طعام ذلك المهمّ، فاحتفلوا فى الوقدة وعلّقوا فى الطيقان الأحمال والتنانير والأمشاط معمّرة بالقناديل، حتى كانت البركة تضئ بالنور، ويكاد الإنسان أن يدخل الخيط فى خرم الإبرة من عظم ضوء النور، وأحرق حراقة نفط حافلة لم يسمع بمثلها، حتى خرجت البنت فى خدرها بسبب الفرجة على ذلك، وبلغ كرى كل مركب أربعة أشرفية، واستمرّت هذه الوقدة وحراقة النفط ثلاث ليال متوالية، حتى عدّ ذلك من النوادر التى لم يقع مثلها، واجتمع بالبركة نحو أربعمائة مركب موسوقة بالخلايق، وصار ابن رحاب المغنى عمّال فى كل ليلة، وسائر مغانى البلد من رجال ونساء، وانطلقت ألسن النساء بالزغاريت، وانتفق فى تلك الليالى من الأموال ما لا يحصى، حتى قيل ابتاع من عصفور الجبّان على المتفرّجين بنحو مائة وعشرين دينارا جبن مقلى، وكذلك ابن الزيبق الحلوانى ابتاع منه حلوى بنحو ذلك، وقد خرجت الناس فى القصف والفرجة عن الحدّ، وقد رسم السلطان للقاضى كاتب السرّ أن لا يبقى ممكنا فى هذا المهمّ لأجل الجمجمة ابن عثمان، كونه كان حاضرا فى هذا المهمّ، وفى هذه الواقعة يقول بعض الشعراء:
طابت على بركة الرطلى ليلتنا … حتى تباهت على الخلجان والبرك