للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زكريا، فطلب وأخلع عليه وولى القضاء، وقد تمنّع من ذلك إلى الغاية، ثم أشرط على السلطان شروطا كثيرة، فأجيب إلى بعضها، ونزل من القلعة فى موكب حافل، واستمرّ فى هذه الولاية مدّة طويلة، وقد أخذ عن ولىّ الدين الأسيوطى بحكم صرفه عنها، وكان الشيخ زكريا يومئذ رأس الشافعية؛ ثم إن السلطان طلب الشيخ محيى الدين ابن تقى المالكى، وأخلع عليه وأقرّه فى قضاء المالكية، عوضا عن برهان الدين اللقانى بحكم صرفه عنها، واستمرّ فى هذه الولاية إلى أن مات.

وأما القاضى كاتب السرّ ابن مزهر، فإنه أقام فى داره نحو ثمانية عشر يوما وهو منفصل عن كتابة السرّ، ثم إن بعض الأمراء مشى بينه وبين السلطان فى عوده إلى وظيفته، بعد ما كان قد ترشح أمر قطب الدين الخيضرى بأن بلى كتابة السرّ، ثم إن ابن مزهر أورد للسلطان مالا له صورة حتى رضى عليه، فلما طلع إلى القلعة أخلع عليه السلطان وأعاده إلى وظيفته، ونزل من القلعة فى موكب حافل، وتخلّق جماعته بالزعفران، وزيّنت له حارة برجوان، وهنّاه الأديب أبو الخير بن النحاس بقوله فيه:

مقام ابن مزهر فوق السها … وقد زاد ربّى إجلاله

وظيفته الدهر تسمو (١) به … ولم تكن تصلح إلاّ له

وقال آخر:

يا كاتب الأسرار يا من فضله … قد جمّل الدنيا وزان المنصبا

هذى وظيفتك التى فارقتها … عادت إليك فمرحبا بك مرحبا

وفيه حضر برقوق الساقى الأينالى أحد العشرات، وكان ممن أسر عند باينذر وحضر صحبته إياس مملوك الأتابكى أزبك، وأخبر بأن النواب والأمراء الذين (٢) كانوا فى الأسر عند باينذر قد أطلقوا أجمعين، ودخلوا إلى حلب صحبة جانى بك حبيب، وقد أخلع عليهم يعقوب بن حسن الطويل؛ ثم أخبر إياس المذكور بأن جمجمة ابن عثمان قد خرج من غزّة وهو قاصد للديار المصرية، فلما أخبر السلطان بذلك أخذ فى أسباب ملاقاة الجمجمة. - وفيه توفيت خوند بنت الملك


(١) تسمو: تسموا.
(٢) الذين: الذى.