للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعقوب بن حسن الطويل.

وفى عقيب ذلك وقف الأمير خاير بك من حديد إلى السلطان، وسأله فى إقطاع الأمير يشبك الدوادار، فنثر فيه السلطان، فنزل إلى داره مغضبا، وأغلق بابه وصرف غلمانه، وامتنع من الاجتماع بالناس، وتكلم بكلمات كثيرة فى حق السلطان، وكان الأمير خاير بك صعب المراس، شديد الخلق، قوىّ الرأس؛ فلما بلغ السلطان ذلك بعث بإحضاره، فاختفى خاير بك وخرج من داره، ولبس له جبّة صوف أبيض، وتعمّم بمئزر صوف أبيض، وأخذ بيده سبحة، وادّعى أنه قد ترك الدنيا، وبقى فقيرا مجرّدا، فتوجّه إلى جامع قيدان الذى بقناطر الأوز، وكان أنشأ به جوسقا مطّلا على البركة التى هناك، فأقام به، فلما بلغ الأمير تمراز ذلك توجّه إليه وتلطّف به فى عوده إلى داره، فلم يوافق على ذلك واستمرّ مصمّما على عدم عوده، وبقى هناك أياما.

ثم إن السلطان أرسل إليه قانصوه خمسمائة، فأخذه من هناك وشكّه فى الحديد، وطلع به إلى القلعة وهو ماشى، فلما مثل بين يدى السلطان وبّخه بالكلام وقصد أن يفتك به، ثم آل أمره من بعد ذلك إلى أن أخرجه منفيّا إلى دمشق، صحبة الأتابكى أزبك لما خرج إلى التجريدة المقدّم ذكرها، فسجن هناك وجرى عليه شدائد كثيرة ومحن إلى الغاية، واستمرّ فى هذه النفية إلى أن مات بمكة، ويأتى الكلام على ذلك فى موضعه؛ وكان خاير بك من أخصاء السلطان، وكان من أكبر أصحابه من حين كان السلطان خاصكيا، فأقلب عليه كأنه لم يعرفه قط، فكان كما يقال: ثلاثة لا يؤمن (١) إليهم، المال وإن كثر، والملوك وإن قربوا، والمرأة وإن طالت صحبتها.

وفيه طلع الأمير لا جين الظاهرى إلى السلطان واستعفى من أمرة مجلس، وذكر للسلطان أنه قد شاخ وكبر سنّه وعجز عن الحركة، فأعفاه السلطان من ذلك ورتّب له ما يكفيه، واستمرّ طرخانا إلى أن مات. - وفيه أخلع السلطان على الشيخ


(١) يؤمن: يأمن.