السلطان بحضرة القضاة والأمراء، وكشفوا عنها فإذا فيها ستون ألف دينار ذهب عين، فأخذ كاتب السرّ يقول فى المجلس العام إن السلطان نصره الله تعالى، لما حجّ فى العام الماضى، رأى أهل المدينة المشرفة فى فاقة زائدة من عدم الأقوات، فنذر مولانا السلطان فى نفسه بأن يفعل بالمدينة المشرفة خيرا يكون مستمرّا من بعده، وقد خرج عن هذا المال لله تعالى، وهو من وجه حلّ من خالص ماله دون مال بيت المسلمين، ليشترى به ما يوقفه على فقراء المدينة من ضياع وأماكن وربوع، وغير ذلك، ما يصنع بالمدينة فى كل يوم من الدشيشة والخبز والزيت وغير ذلك، كما يفعل بمدينة الخليل ﵇، فارتفعت له الأصوات بالدعاء فى ذلك المجلس؛ ثم أمر السلطان بأن يكون هذا المال تحت يد قاضى القضاة الشافعى حتى يشترى بها أماكن أو ضياع، فامتنع القاضى من ذلك واعتذر عن تسليمه حتى عفى من ذلك؛ ثم شرع السلطان فى بناء تلك الربوع التى (١) أنشأها فى باب النصر، وفى البندقانيين والخشابين والدجاجين، وغير ذلك من الأماكن وغيرها، انتهى ذلك.
وفيه نزل السلطان إلى قبّة الأمير يشبك، فلما عاد وقف له جماعة من العوام، وشكوا له من أمور الحسبة بأنها ضائعة، وأن من بعد العصر ما يوجد الخبز على الدكاكين، فلما طلع إلى القلعة وأصبح، رسم للصاحب قاسم شغيتة بأن يتكلم فى الحسبة، عوضا عن يشبك الجمالى، وكان لما تولى الزرد كاشية أهمل أمر الحسبة، وضاعت المصالح فى أمور البضائع وغيرها، وزاد سعر الغلال، ووقع بالقاهرة تشحيطة فى الخبز فى تلك الأيام، وكادت أن تكون غلوة.
وفيه عيّن السلطان الأمير يشبك الدوادار للخروج إلى حماة، بسبب قتال سيف أمير آل فضل الذى قتل أزدمر نائب حماة، كما تقدم ذكر ذلك؛ وهذه السفرة كانت آخر العهد بالأمير يشبك، ولم يعد منها إلى مصر؛ وعيّن معه من الأمراء المقدّمين برسباى قرا حاجب الحجاب، وتانى بك قرا، وعدّة من الأمراء الطبلخانات والعشرات، وعدّة وافرة من الجند، وقد لهج الناس بأن هذه التجريدة قد خرجت