للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسيرة، وقد دهمه الموت فتوفى وله من العمر دون العشرين (١) سنة، وكان كريما سخيا سمحا بالعطاء حتى قيل فيه:

فقت الكرام فى الورى يا مطلبا لرايم … ما أنت إلا خاتم تصحّفت بجانم

وكان تزوّج بأخت خوند زوجة السلطان، فكان له مهم حافل، وكان له زفّة لم يسمع بمثلها، وزيّنت له القاهرة بالشموع والقناديل، وعلّقت له التنانير من سويقة العزّى إلى بين القصرين، ومشى فى زفّته الأمراء المقدّمون، وكان الأمير يشبك الدوادار ماسك لجام فرسه، هو والأمير أزدمر الطويل حاجب الحجاب، وبقية الأمراء مشاة قدّامه بالشموع من سويقة العزّى إلى دار العلاى على بن خاص بك، فجلى هناك، فكان أبهى من العروسة التى جليت عليه، كما قد قيل:

ما سمعنا والله فيما سمعنا … بعروس تجلّى عليها عروس

وكان عرس الأمير جانم من الأعراس المعدودة بحيث لم يقع بعده مثله؛ فلما انقضت وفاة الأمير جانم كثر الكلام فى حق الأمير يشبك بسبب جانم، ونسب إلى قتله بالسمّ، وصار فى تهديد ووعيد من المماليك الجلبان، ووقع بسبب هذه الحادثة أمور شنيعة يطول الكلام فى شرحها، وقصدوا قتل الأمير يشبك غير ما مرّة، وصار السلطان يرجع الجلبان عن الأمير يشبك، وصار الأمير يشبك يترضّى خاطر المماليك الجلبان بكل ما يمكن، حتى سكنت هذه الفتنة قليلا، وصار على رأس الأمير يشبك طيرة من الجلبان، حتى كان من أمره ما سنذكره فى موضعه.

وفى هذا الشهر قدم الملك المؤيد أحمد بن الأشرف أينال من ثغر الإسكندرية، وكان سبب قدومه أن والدته خوند زينب حصل لها توعّك شديد قد أشرفت فيه على الموت، فأتى إليها الأمير يشبك ليعودها، فسألت فضله ن يسأل السلطان فى حضور ولدها الملك المؤيد إلى مصر لتنظره قبل أن تموت، فلما طلع الأمير يشبك إلى القلعة تكلم مع السلطان فى ذلك، فرسم بإحضاره؛ فلما حضر طلع إلى القلعة ودخل الحوش وهو راكب، ومعه ولده على، فقام إليه السلطان


(١) دون العشرين: كذا فى الأصل.