وأخذ الصولجان (١) من الأرض وناوله للأمير يشبك؛ فلما كان فى يوم الثانى صنع الأمير يشبك وليمة حافلة جدا، وعزم على جانم قرابة السلطان وقانصوه خمسمائة وآخرين من الأمراء، فلما حضروا أصلح الأمير يشبك بين جانم وبين قانصوه خمسمائة وكان بينهما وحشة، ثم أخلع على كل واحد منهما كاملية بصمّور، وأركبه فرسا بسرج ذهب وكنبوش، وكانت هذه الوليمة من نوادر الضيافات الحافلة.
وفى ربيع الآخر كان نهاية ضرب الكرة، وأضاف السلطان الأمراء ضيافة حافلة، ونزلوا إلى دورهم. - ومن الحوادث فى هذا الشهر كانت وفاة الأمير جانم الشريفى قريب السلطان، أحد المقدمين، وكان من حين أضافه الأمير يشبك وخرج من عنده وهو مريض، حتى اتّهم به الأمير يشبك أنه قد أشغله فى ذلك اليوم فى شئ من الحلوى؛ فلما تزايد به المرض وتورّمت قدماه حمل فى محفّة وتوجّهوا به إلى بولاق، فأقام هناك بعض أيام ومات؛ فلما بلغ السلطان ذلك أظهر التأسّف عليه والحزن، ثم أحضر الأمير جانم من يولاق فى محفّة وهو ميت إلى داره، فغسل هناك وأخرجت جنازته من هناك إلى سبيل المؤمنى، ومشت قدّامه الأمراء وأرباب الدولة، ونزل السلطان وصلّى عليه، ثم توجّهوا به إلى تربة السلطان فدفن بها، واستمرّ العزاء قائما بالقلعة بدور الحرم ثلاثة أيام.
وقيل إن السلطان جلس بقاعة البحرة، ورسم لنساء عرب اليسار أن يدقّوا ويلطموا على الأمير جانم وهو ينظر إليهن، وقد جلس للعزاء وصارت الأمراء تتلطّف به وتسلّيه؛ وقيل إن جانم كان يقرب للسلطان من جهة النساء، وكان جميل الصورة حسن الهيئة، كما بدا عذاره، وكان ريسا حشما، وافر العقل، جليل القدر، ورأى غاية العزّ والعظمة على صغر سنّه، أقام فى الطبقة مدّة يسيرة، ثم بقى خاصكيا، ثم بقى أمير عشرة، ثم بقى ناظر الجوالى، ثم بقى شاد الشراب خاناه، ثم بقى مقدّم ألف، وجاءت إليه السعادة سريعا، وزالت عنه فى مدّة