للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل إنّ هذه المولودة عاشت مدّة يسيرة وماتت.

وفى سنة ثمان وسبعين وثلثماية، حدث بمدينة تنيس، فى ليلة الجمعة ثامن عشر ربيع الأول، [أن] (١) أرعدت السماء وأبرقت، وأظلم الجوّ، وظهر فى السماء أعمدة من نار تلتهب، فأضاءت منها الدنيا، ثم اشتدّت تلك الحمرة، وجاء عقب ذلك ريح سوداء، فيها غبار حارّ، يأخذ بالأنفاس من شدّة حرّه؛ فارتاع الناس من ذلك، وأيقنوا بالهلاك، وصار يودّع بعضهم بعضا، وابتهلوا إلى الله بالدعاء؛ ولم يزل الأمر متمايدا على ذلك، من المغرب إلى طلوع الفجر، حتى سكن الريح؛ وخمدت تلك الأعمدة النار، وزالت الحمرة من الجوّ؛ فلما لاح الصباح، طلعت الشمس وهى محمرّة، فأقامت على ذلك خمسة أيام حتى اعتدلت، وقد قيل فى المعنى لبعضهم:

ما خاب عبد على الله الكريم له … توكّل صادق فى السرّ والعلن

حاشاه أن يحرم الراجى إجابته … إذا دعاه لكشف الهمّ والحزن

وقال الشيخ أبو القاسم عبد المجيد القرشى: إنّ فى سنة إحدى وثمانين وثلثماية، أصيدت سمكة من بحيرة تنيس، فكان طولها من رأسها إلى ذنبها ثمانية وعشرين ذراعا، وكان عرضها خمسة عشر ذراعا، وكان فتح فمها تسعة وعشرين شبرا، وكان لها يدان طول كل واحدة ثلاثة أذرع، ولها عينان كعينى البقر، ولسان كلسان الثور، وكانت ملساء، وفى جلدها غلظ؛ فلما صيدت، أمر والى تنيس بأن يشقّ بطنها ويحشى ملحا، فوضع فى جوفها مائة أردب ملح، فكان الرجل يدخل إلى جوفها، وهو حامل قفاف الملح، قائما غير منحنى؛ ثم إنّ نائب تنيس أرسلها إلى مصر، حتى شاهدها العزيز، وتعجّب من خلقتها - أورد ذلك ابن أبى حجلة فى كتاب «عجائب العجائب، وغرائب الغرائب» كما ذكرناه.

وفى أيام العزيز ظهر السمك اللبيس ببحر النيل، ولم يكن منه قبل ذلك شئ (٢)؛ وهو من أسماك البحر المالح، هرب ودخل إلى البحر الحلو، فسمّى لبيسا.


(١) [أن]: تنقص فى الأصل.
(٢) شئ: شيئا.