وفيه خرج الحاج على جرى العادة، وكان الشهابى أحمد بن الأتابكى تانى بك أمير ركب الأول مريضا على غير استواء، فلم يرقّ السلطان له ورسم بأن يخرج فى محفّة، فخرج وهو فى النزع، فلما وصل إلى بركة الحاج مات ليلة الرحيل، وكان حشما ريسا أدوبا، وكان من الأمراء العشرات، وتوجّه إلى الحجاز أمير الركب الأول غير ما مرّة، وكان مولده بعد العشرة والثمانمائة؛ فلما بلغ السلطان موته طلب جانى بك الأشقر أحد مماليكه وخواصه، فرسم له بأن يتوجه أمير الركب الأول عوضا عن الشهابى أحمد بن تانى بك، فتسلم جميع بركه وجماله وسافر على الركب الأول، ورجع أحمد بن تانى بك إلى القاهرة وهو ميت فدفن بها، فعدّ ذلك من النوادر الغريبة، ولم يكن يمرّ الحج على بال جانى بك فى هذه السنة قط، فكان كما قيل فى المعنى:
ألا إنما الأقسام تحرم ساهرا … وآخر يأتى رزقه وهو نائم
وفيه أرسل السلطان خلعتين، إحداهما (١) إلى جانى بك قلقسيز أمير سلاح بأن يستقرّ فى نيابة الشام، عوضا عن برقوق بحكم وفاته، وكان جانى بك قلقسيز مسافرا فى التجريدة، فتوجّه من هناك إلى الشام واستقرّ بها؛ وأما الخلعة الثانية بعث بها إلى أينال الأشقر بأن يستقرّ فى أمرة السلاح، عوضا عن جانى بك قلقسيز بحكم انتقاله إلى نيابة الشام.
وفى ذى القعدة طلع الخليفة المستنجد بالله يوسف والقضاة الأربعة ليهنّوا السلطان بالشهر على العادة، فتكلم الخليفة مع السلطان فى أمر ابنته ست الخلفاء التى كان عقد عليها خشكلدى البيسقى، ثم جرى عليه ما جرى ونفى إلى الشام، ثم تكلم الخليفة مع القضاة بأن يفسخ عقد ابنته عن خشكلدى البيسقى، فطال الكلام فى ذلك، وانفضّ المجلس على غير طائل، ثم فسخ عقدها عن خشكلدى فيما بعد؛ وفى هذا المجلس تكلم السلطان مع قاضى القضاة الحنفى شمس الدين الأمشاطى فى إقامة قاض برسم حلّ الأوقاف والاستبدالات، فقال: إن السلطان له ولاية التفويض إلى من شاء