للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما دخل جوهر، القائد، إلى مصر، فى يوم الجمعة، وقيل دخلها يوم الثلاثاء (١)، أمر خطباء جامع عمرو بن العاص، وجامع العسكر، وجامع ابن طولون، أنّ يخطبوا فى ذلك اليوم باسم المعزّ، فخطبوا؛ ثم أمر المؤذّنين أن يجهروا فى الأذان: «بحىّ على خير العمل»، فشقّ ذلك على الناس.

ثم أنشد محمد بن هانئ الأندلسى، شاعر الغرب، قصيدة مطوّلة، مدح فى المعزّ، وحطّ فيها على خلفاء بنى العبّاس، فكان مطلعها هذا البيت:

تقول بنى العبّاس هل أخذت مصر … فقل لبنى العبّاس قد قضى الأمر

ثم إنّ جوهر لما دخل مصر، لم تعجبه مدينة الفسطاط، فشرع فى بناء القاهرة، قال الشيخ شمس الدين الذهبى: لما أراد الأمير جوهر، القائد، أن يبنى سور القاهرة، جمع الفلكية وأمرهم بأن يختاروا له طالعا سعيدا، حتى يضع فيه أساس المدينة، فجعل على كل جهة من أساس المدينة، قوائم من الخشب، وبين كل قائمتين (٢) منها حبلا، وفيه أجراس من نحاس، ثم وقف الفلكية ينتظرون دخول الساعة الجيّدة، والطالع السعيد، حتى يضعوا فيه الأساس؛ وكان لهم إشارة مع البنّائين، أنّهم إذا حرّكوا (٣) لهم تلك الحبال، التى فيها الأجراس، فيلقوا ما بأيديهم من الحجارة، إذا سمعوا حسّ الأجراس.

فبينما هم واقفون لانتظار الساعة السعيدة، فاتّفق أنّ غرابا وقع على تلك الحبال، فتحرّكت الأجراس التى بها، فظنّ البنّاءون أنّ الفلكية حرّكوا لهم الحبال التى فيها الأجراس، فألقوا ما بأيديهم من الحجارة فى الأساسات التى حفروها للسور، فصاح عليهم الفلكية: «لا، لا، القاهر فى الطالع»، يعنون المريخ، وهو اسمه عندهم القاهر، فقضى الأمر، وخانهم ما قصدوا له من الطالع السعيد، كما قيل:

يريد المرء أن يعطى مناه … ويأبى الله إلا ما أراد

قال الفلكية: «اعلموا أنّ هذه المدينة أكثر من يملكها الأتراك»، وكان


(١) قيل دخلها يوم الثلاثاء: كتبت فى الأصل على هامش ص ٩٠ ب.
(٢) قائمتين: قائمة.
(٣) حركوا: حركون.